في مثل هذه الأيام قبل ست سنوات مضت الدبابات الأميركية في عقر بغداد تحت قوس النصر العراقي لتنتهي بذلك صفحة من صفحات تاريخ العراق في عهد الرئيس صدام حسين، وكما هو معلوم بعد انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي أصبحت بعض الدول التي كانت تعتمد في سياستها على دعم السوفيات سياسياً وعسكرياً تعيش في فراغ قاتل ونتج من هذا الوضع شيء من الخلل بما لا يتناسب وقواعد السياسة والعلاقات الدولية. واستناداً الى ذلك، فكر صدام حسين في الاستفادة من تلك الفجوة الدولية وباشر العمل من أجل أن يكون العراق القوة المتفوقة في منطقة الشرق الأوسط ويتسلم زعامتها بقبضة من حديد بعد أن يسيطر العراق على موارد النفط فيها وفق تكتيكه الخاص. وأثبت صدام أنه تصرف بلا عقلانية فلم يعرف كيف يدخل في ديناميكية السياسة العالمية ويخترقها ويكون هو الرابح من دون أن يكبد العراق خسائر فادحة في الأموال والأرواح. ان الحرب والسياسة مفهومان مطابقان لبعضهما بعضاً ولا ينفصلان، وقد أثبت صدام أنه لا يتقن الاثنتين: لا الحرب ولا السياسة، لذا كان خائفاً من الجميع ومتآمراً على الجميع. ومن المعروف أن الولاياتالمتحدة رغبت ولا تزال في السيطرة على المنطقة من دون أن يكون لها أي شريك أو منافس. لذلك، فإن سلوك صدام حسين في تلك الحقبة لهو دليل على أنه لم يتصرف بديناميكية عقلانية معاصرة وما كان عليه أن يثق بقوته أكثر من اللازم. ان تطورات الأحداث طوال ثلاثة عقود أكدت أن صدام حسين وقع في الفخ الأميركي، بدليل أن الرئيس جورج بوش الأب قال في اليوم الأول من حرب الخليج الثانية ان هدف أميركا هو بناء نظام جديد في العالم. وأظهرت أميركا نفسها بأنها القوة الوحيدة التي يمكنها أن تحكم العالم، وإذا كان لا بد من مهمة حراسة العالم فهي الوحيدة التي ستقوم بهذه المهمة. وقد شكلت حرب الخليج الثانية فرصة كبيرة لها لتقوم من خلالها باستعراض قوتها أمام العالم.