أثار حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة تساؤلات تتجاوز الهدف السياسي من تنفيذ تلك المشاهد إلى محاولة معرفة كيفية تنفيذ وإخراج فيلم بهذه الإمكانات العالية، في بيئة يفترض أنها تعيش حالاً من الاضطراب والاقتتال، سواءً في سورية أم العراق، إذ يعكس الفيلم الأخير إمكانات عالية من التنظيم، تتطلب وقتاً كافياً، ما يوحي بأن هناك غرفاً أخرى لإدارة العمليات الإعلامية، خارج مناطق الصراع، لا يستبعد أن يكون بينها السعودية ودولاً خليجية أخرى. ولفت متخصص إلى أن التركيز على الصورة بهذه الاحترافية يهدف إلى «إرهاب الأطراف الأخرى التي تقاتلها، من خلال ترسيخ صورتهم الوحشية»، مشيراً إلى أن النظام الشبكي للتقنية أسهم في «توزيع الأدوار وتنفيذها بشكل سهل في أي نقطة في العالم». وبحسب معلومات تحصلت عليها «الحياة» فإن من يتولى الشؤون الإعلامية في تنظيم «داعش» الإرهابي هو شوكت حازم الفرحات، المكنى «أبو عبدالقادر»، الذي يتولى منذ تموز (يوليو) الماضي منصب «المسؤول الإداري العام». وأشارت المصادر إلى أن مهمة الفرحات هي «التنسيق ومشاهدة المقاطع والأفلام قبل رفعها»، مشددين على أنه «لا يتدخل في الجانب الفني والتقني للمواد المرئية المعروضة»، لافتين إلى وجود «توجيهات وتعليمات ترد من القيادة العليا في التنظيم، ترسم خط سير التوجيه والنشر الإعلامي». ولفتت المصادر إلى أن هناك تعاوناً وتنسيقاً لتنفيذ وإخراج أفلام ومقاطع مرئية من أشخاص يعيشون في أماكن خارج حدود سيطرة التنظيم، وهم من المؤيدين المنتشرين في مناطق العالم، لافتين إلى أن الهدف من ذلك هو «تخفيف العبء ومخاطر الملاحقة التي يتعرض لها من يتولون الشؤون الإعلامية، إضافة إلى الاستعانة بالخبرات والإمكانات التقنية والفنية المتوافرة لدى عدد من الشباب المسلم، الذين يصعب عليهم في الفترة الحالية الهجرة إلى العراق أو سورية». وأوضحت المصادر أن «التقنية سهلت من مهمة التواصل، وبالتالي الإفادة من الكوادر عن بعد، من دون الحاجة إلى الوجود في أرض الحدث»، كاشفين أن عدداً من أهم الأفلام التي عُرضت أخيراً، «نُفذت ورُفعت على شبكة الإنترنت بأيد موجودة في الرياض، أو طرابلس الغرب والشرق، وحتى لندن وباريس، بعد أن أرسلت لهم المواد الخام، ليتم العمل عليها وتطويرها». بدوره، قال الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية الدكتور حسين غندور ل«الحياة»: «إن انخراط متخصصين في جانب التقنية في تنفيذ مواد «داعش» الإعلامية إجراء يعزز من سعي التنظيم لإيجاد خريطة عنقودية في تسيير أعمال التنظيم الترويجية والدعائية، التي تعتبر سلاحاً يفوق في الكثير من حالاته ما يجري على أرض الميدان»، لافتاً إلى أن «التجارب الجهادية السابقة، كالأفغانية والشيشانية، تثبت أن الصوت الإعلامي عامل مهم عند تكوين أي جماعة مقاتلة لتسويق منهجها ودعايتها، ويظل هذا الصوت حياً حتى وإن تآكل التنظيم أو خف حضوره في أرض المعارك». وأشار غندور إلى أن «الاحترافية المتجددة في المواد المرئية المقدمة هي إحدى أهم الأدوات التي يحرص أي تنظيم مسلح على تطويرها، واحتواء كل من يخدمها، حتى ولو كان ذلك الشخص ليس متديناً، أو لا يدين بالبيعة الكاملة لأمير هذه الجماعة أو تلك، لمعرفتهم حجم تأثير الجانب البصري في إيصال المعلومة وإقناع الطرف الآخر بفكرته. وهذا لم يبدأ مع «داعش»، ولكنه قديم منذ مؤسسة «السحاب» الذراع الإعلامية لتنظيم «القاعدة»، وما كانت تصدره، فهو لم يكن ارتجالياً من مقاطع مصورة، وكانت أعمالاً احترافية، ويقوم عليها فريق متفرغ لهذه المهمة». وعن فيلم حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، ذكر أن «للفيلم منحى توثيقياً ودرامياً في الوقت ذاته، فمنتجه يريد أن يستغل الفيلم في تقديم مادة توثق وتبرر الدوافع التي دفعت التنظيم للقيام بخطوة حرق الطيار، وعدم قطع رأسه مثلاً، كما حدث قبلها بأيام مع الرهينتين اليابانيتين. كما أنها من خلال التمهيد الذي قدمته، بالصور والإحصاءات، أوصلت المشاهد إلى الذروة التي تجعله يتأهب لتبرير ما سيفعلونه كمقابل لما فعل فيهم»، مضيفاً: «يجب أن نأخذ في الحسبان أن المتتبع لأفلام التنظيمات كافة، يلحظ أنها لا تصدم المشاهد بشيء قبل أن تمهد له، وتبرر له عبر سرد تاريخي يتم من خلال التركيز على تأثير الصورة للوصول إلى المعلومة». مختصون: كلفة فيلم حرق الكساسبة عالية اعتبر مختصون أن الصورة في العصر الرقمي «فرس الرهان»، وهي القادرة على التأثير في المتلقي أكثر من أية وسيلة أخرى، رافضين الفرضيات المشككة في صحة فيديو حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، مستندين إلى أن الكلفة العالية لن تجعل التنظيم يدفعها «عبثاً». وقال الباحث في علم الاجتماع السياسي عبدالعزيز الحيص ل«الحياة»: «إن تنظيم «داعش» استخدم الصورة في معاركه بشكل جيد، ولا يهتم في منطق أفعاله، وشرعيتها، بمقدار ما يهتم بإثارة الانتباه، والتدليل القوي على وجوده، وهذا ما خدمته فيه الصورة». وأضاف كاتب دراسة «سيكولوجية داعش»: «إن هذا المحتوى يهدف لتأكيد صورة التنظيم كتنظيم عنيف ومؤذٍ، وهذه البراعة في نقل توحش التنظيم، ساعدت التنظيم في بنائه الداخلي، حين انضم له مقاتلون يبحثون عن التشفي والانتقام، ومزيداً من التطرف، وكذلك في إرعاب الآخرين ممن يقاتلونه، حين سيطرت عليهم صورته الوحشية، ما دفع خصومهم إلى الانسحاب من أمامهم في مواقع عدة». بدوره، لفت المخرج علاء العامودي في حديث ل«الحياة»، إلى أن «منفذ هذا الفيلم قدمه بشكل احترافي، وحرص فيه على أن يكون هناك عنصر تشويق حاضر حتى يتم استدراج المشاهد، فهذا النوع من الأفلام يمزج بين الروائي والوثائقي، ما يجعل نسبة التشويق فيه عالية». وعن صحة الفيديو من عدمه، قال: «وجود روايات تؤكد أن ما جرى من الحرق يدخل ضمن التمثيل هي محاولة للتعلق بقشة لاستيعاب هول الصدمة، فليس من المنطق أن يقدم التنظيم هذه الصورة وينشرها ويتحمل تبعاتها عبثاً. أما سينمائياً؛ فسيكون من الممكن تنفيذ هذه الخدع، وأمثلتها منتشرة في شبكة الإنترنت، ولكن لا أحد يستطيع أن يجزم بعدم تنفيذها من خلال تشريحها في برامج المونتاج».