ولدت حكومة الرئيس سعد الدين رفيق الحريري أمس بعد مخاض دام زهاء 142 يوماً، من تكليفه مرتين تأليفها، وإثر عقبات أخرت إنجازها تشابكت فيها العقد المحلية مع التعقيدات الإقليمية. فأعلن الحريري طي صفحة «لا نريد أن نعود إليها» وفتح «صفحة جديدة نتطلع الى أن تكون صفحة وفاق». وإذ خرج لبنان أمس من الفراغ الحكومي الى تحديات لا تقل أهمية عن التعقيدات التي واجهت مخاض الولادة العسير، فإن تبوّؤ خليفة الرئيس الراحل رفيق الحريري رئاستها بعد 4 سنوات ونيف على اغتياله يكرس زعامة آل الحريري في لبنان ويطلق تجربة أحد أصغر رؤساء الحكومات سناً (39 عاما) في خوض غمار ترميم البيت الداخلي اللبناني الذي عانى انقساماً كبيراً منذ الزلزال الذي ضرب لبنان باغتيال الحريري،كانت باكورتها في ممارسة السلطة، المفاوضات المضنية التي خاضها الحريري. وإذ انتهت التركيبة الحكومية الجديدة الى تقاسم للحقائب والوزارات بين الأكثرية والأقلية تحت اسم حكومة الوحدة الوطنية، وأعطت حصة وازنة لرئيس الجمهورية ميشال سليمان، فإن الحصص عكست موازين القوى على الأرض بكل أبعادها السياسية والطائفية في ضوء خليط من أحداث 7 أيار (مايو) الدامية في العام 2008 التي قادها «حزب الله» ضد قوى 14 آذار في بيروت، ومن نتائج الانتخابات النيابية التي أنتجت اكثرية تزعمها الحريري. وظهرت موازين القوى من خلال الحصة الوازنة للمعارضة في الحقائب التي أسندت إليها، لا سيما الى زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون. كما ان التطورات الإقليمية المتسارعة والمعقدة أرخت بظلالها على عملية التشكيل، خصوصاً ان تخطي العقبات والشروط والمطالب التي كادت ترسخ القناعة بأنها تهدف الى إبقاء لبنان في الفراغ الحكومي، جاء بعد مواكبة غير مباشرة سعودية – سورية، بناء على التقارب الجديد بين الدولتين في إطار المصالحات العربية. وكان الحريري الذي أدرك ان من اهداف تأخير إنجاز الحكومة استنزافه قبل ان يبدأ مهمته الجديدة المحفوفة بالصعوبات، قام بين ليل أول من امس وأمس بحركة مكوكية من اجل وضع اللمسات الأخيرة على تشكيلة الحكومة وإزالة ما تبقى من صعوبات. وانتهت الحركة المكوكية طوال نهار امس الى اجتماع بين الحريري والرئيس سليمان مساء دعي إليه رئيس البرلمان نبيه بري أعلنت إثرها الحكومة بعيد الثامنة مساء بتوقيت بيروت. وتلا الأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي مراسيم الحكومة الاتي جاءت كما يأتي: سعد الحريري رئيساً لمجلس الوزراء، الياس المر نائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للدفاع الوطني (حالي)، بطرس حرب وزيراً للعمل (سابق)، أكرم شهيب وزيراً للمهجرين (سابق)، غازي العريضي وزيراً للاشغال العامة والنقل (حالي)، ميشال فرعون وزير دولة لشؤون مجلس النواب (سابق)، علي حسين عبدالله وزيراً للشباب والرياضة (سابق للسياحة)، عدنان القصار وزير دولة (سابق)، محمد جواد خليفة وزيراً للصحة العامة (حالي)، محمد الصفدي وزيراً للاقتصاد والتجارة (حالي)، طارق متري وزيراً للإعلام (حالي)، محمد فنيش وزيراً لشؤون التنمية الإدارية (حالي)، جان اوغاسبيان وزير دولة (حالي)، ابراهيم نجار وزيراً للعدل (حالي)، وائل أبو فاعور وزير دولة (حالي)، زياد بارود وزيراً للداخلية والبلديات (حالي)، جبران باسيل وزيراً للطاقة والمياه (حالي)، حسين الحاج حسن وزيراً للزراعة (جديد)، ابراهام دادايان وزيراً للصناعة (جديد)، منى عفيش وزيرة دولة (جديدة)، علي حسين الشامي وزيراً للخارجية والمغتربين (جديد)، حسن منيمنة وزيراً للتربية والتعليم العالي (جديد)، عدنان السيد حسين وزير دولة (جديد)، شربل نحاس وزيراً للاتصالات (جديد)، فادي عبود للسياحة (جديد)، سليم الصايغ وزيراً للشؤون الاجتماعية (جديد)، ريا حفار وزيرة للمالية (جديدة) يوسف سعادة وزير دولة (جديد)، سليم وردة للثقافة (جديد) ومحمد رحال وزيراً للبيئة (جديد). ودعيت الحكومة الى اخذ الصورة التذكارية في القصر الجمهوري ظهر اليوم، على أن تليها مباشرة جلسة لتشكيل لجنة صوغ البيان الوزاري. ثم توجه الحريري إلى اللبنانيين بكلمة مكتوبة قال فيها: «وأخيراً... ولدت حكومة الوفاق الوطني. طوينا صفحة لا نريد أن نعود إليها، وفتحنا صفحة جديدة نتطلع الى أن تكون صفحة وفاق وعمل في سبيل لبنان». وأضاف: «هذه الحكومة على صورة لبنان الحالي، التي تبدو في عيون البعض، صورة للخلافات الطائفية والسياسية، ولكن يجب أن نثبت لكل العالم، أنها في عيون اللبنانيين، هي الصورة الواقعية للوفاق الوطني الحقيقي». وأعلن انه يريد منذ اللحظة الأولى أن يصارح الجميع بأن «هذه الحكومة، إما أن تكون فرصة لبنان لتجديد الثقة بالدولة ومؤسساتها، فنقدم من خلالها نموذجاً متقدماً لنجاح مفهوم الوفاق الوطني في إدارة شؤون البلاد، وإما أن تتحول إلى محطة يكرر اللبنانيون من خلالها فشلهم في تحقيق الوفاق»، موضحاً أن «الوفاق يعني التعاون، والتنسيق، والمشاركة. ويعني أيضاً جعل مجلس الوزراء سلطة تنفيذية حقيقية وفاعلة، مسؤولة عن إدارة شؤون البلاد ورعاية أحوال اللبنانيين، وليس طاولة للمناكفات السياسية وتبادل الحملات أو وسيلة لتعطيل العمل بالدستور والقوانين». وزاد: «اليوم، نحن أمام اختبار وطني بامتياز. وثقتي كبيرة أيضاً بقدرة هذه الحكومة على خوضه والنجاح فيه، هذه الحكومة تأتي لتعلن نجاح التجربة اللبنانية، بالعيش المشترك والوفاق الوطني، ولتؤكد أنها في مستوى التحديات مهما تعاظمت، وأن التزام الدولة والدستور والقوانين، بوابة اللبنانيين للخلاص من أزمنة الفوضى والهجرة والعوز الخارجي». وزاد «نتطلع لحكومة تعمل في سبيل لبنان، ولا تغرق في إدارة الأزمات. حكومة تتصدى لقضايانا الاقتصادية ومعالجة الدين العام بكل جرأة ومسؤولية، تضع في أولوياتها إطلاق ورشة تشريعية كبرى، تفتح الأبواب أمام تحديث الإدارة وتطويرها، وإقفال ابواب الهدر والفساد». وتابع: «حكومة تشدد على التزام اتفاق الطائف، وتعمل في سبيل وضع بنوده كافة موضع التطبيق، حكومة موحّدة في مواجهة التهديدات الإسرائيلية، والتأكيد على حق لبنان في استرداد أرضه وحماية سيادته الوطنية. حكومة تمدّ اليد للتعاون مع الأشقاء العرب، والمشاركة في جهود المصالحة العربية، وإعادة الاعتبار لدور لبنان في محيطه العربي وفي العالم».