تحولت الدورة الخامسة والعشرين لاجتماعات «اللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري» التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي (كومسيك) التي عقدت في اسطنبول أمس على مستوى القمة بمشاركة 14 زعيماً إسلامياً، إلى مناسبة لطرح مواقف سياسية إزاء الملفات الإقليمية التي تحيط بالدول الإسلامية. وعقدت اجتماعات قمة للبحث في ملفات عدة، بينها اجتماع لمجموعة الاتصال الخاصة بالبوسنة والهرسك وآخر بين الدول المجاورة لأفغانستان. وبدا أن تركيا سعت إلى جعل القمة الإسلامية منصة لتعزيز دورها الإقليمي بطرح مبادرات اقتصادية تؤسس لتعاون سياسي بين الدول الأعضاء، إضافة إلى تشديدها على ضرورة أن تتولى دول المنطقة حل المشاكل الإقليمية. واعتبر الرئيس التركي عبدالله غُل التعاون بين بلاده وكل من سورية وإيران وتركيا «مثالاً يحتذى» بين باقي الدول الإسلامية ال 57 الأعضاء في المنظمة من دون أن ينسى مساعي أنقرة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فيما دعا نظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى «الاستقلال عن النظام الرأسمالي العالمي» وإلى «مزيد من التعاون» بين سورية وتركيا وايران والعراق. وبعد الجلسة الصباحية، التقطت صورة جماعية لرؤساء الوفود، ثم تناول أعضاء الوفود الغداء بدعوة من غُل الذي جلس بين الرئيسين السوري بشار الأسد والأفغاني حامد كارزاي. وكان غُل افتتح المؤتمر بخطاب عرض فيه رؤية بلاده للأقاليم «المتقاطعة» في العالم الإسلامي. وقال إن أنقرة تسعى إلى «الحفاظ على علاقات اقتصادية وتجارية وثيقة مع كل من العالم الغربي والدول الإسلامية»، مشيراً إلى سعي بلاده للانضمام الى الاتحاد الأوروبي «جنباً إلى جنب مع المشاركة في أنشطة كومسيك... هذان العاملان لا يتناقضان سوياً، بل يدعم أحدهما الآخر». وأشار إلى مساعي تركيا ل «حل المشاكل التي تؤثر على الدول الاعضاء في شكل مباشر أو غير مباشر»، بما فيها القضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي والوضع في العراق ولبنان وباكستان وأفغانستان والسودان. وقال: «نرى أن المشاكل الاقليمية تقع ضمن مسؤولية الدول الأعضاء الواقعة في المنطقة نفسها، وعلى هذه الدول إيجاد الحلول لها. ومن هذا المنطلق تشارك تركيا في المبادرات الإقليمية... وتسعى إلى إقامة علاقات مع جيراننا مبنية على احترام المصالح المتبادلة وحسن الجوار والصداقة والتعاون والتضامن. وتعتبر علاقاتنا مع سورية، التي تشهد تحسناً مستمراً، خير مثال على ذلك». وشجع «جميع الجماعات السياسية في العراق على تسوية خلافاتها من خلال مناخ الحوار السياسي والوفاق الوطني»، مشيراً إلى أن «الهجمات الإرهابية الأخيرة تمثل للأسف دليلاً على أن الوضع الأمني سيظل هشاً ما لم تساند الإنجازات ذات الصلة بالأمن خطوات سياسية. وباعتبار أن العراق من البلدان المجاورة والصديقة، فإننا نؤمن بأن الظروف الراهنة تحتم علينا الوقوف إلى جانب شعبه الشقيق». ورأى أن توقيع 48 اتفاقاً ومذكرة تفاهم خلال انعقاد المجلس الاستراتيجي العراقي - التركي الشهر الماضي «مهد الطريق لدمج اقتصاد البلدين دمجاً شاملاً»، مشيراً إلى أنه جرى «وضع آلية مماثلة» مع سورية بتشكيل المجلس الاستراتيجي الذي سيعقد اجتماعه الأول على مستوى رئيسي الوزراء في دمشق في 22 الشهر المقبل. وشدد على أنه «من المحال التوصل إلى حل شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط من دون حشد الدعم من جانب المجتمع الدولي. وعلى رغم ذلك، فإن علينا، باعتبارنا البلدان التي تنتمي إلى المنطقة، مسؤولية مهمة وأساسية لخلق بيئة من السلام الذي طالما كان منشوداً في المنطقة» التي لا يمكن أن تنعم بالسلام «من دون تسوية للقضية الفلسطينية على أساس إقامة دولة فلسطينية تكون عاصمتها القدس وتعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل داخل حدود آمنة ومعترف بها». غير أنه اعتبر أن «التشكيك في حل الدولتين وتقييده بشروط محددة يزيد من صعوبة تحقيق السلام في المنطقة»، ما يستدعي بذل قصارى الجهود ل «تقديم الدعم اللازم لتؤتى جهود المصالحة الفلسطينية ثمارها في أقرب وقت ممكن». وعن العلاقة مع إيران، قال إنها تقوم على أساس «عدم التدخل في شؤون الغير وحسن الجوار والتعاون في المسائل الأمنية»، معبراً عن «الترحيب بالحوار مع الدول الست لحل النزاع القائم حول برنامج إيران النووي. وتركيا تعتبر هذه الخطوات إيجابية، ونأمل في أن تجني ثماراً ملموسة وإيجابية». وبعدما عرض الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو تاريخ تطور «كومسيك» والصناديق التابعة لها، فتح الباب للقادة كي يلقوا خطاباتهم. وكان أولهم الرئيس الأفعاني الذي تلقى التهاني لإعادة انتخابه، مشدداً على أهمية الحصول على دعم إقليمي لمساعي ترتيب الأمن في أفغانستان. ودعا الدول الإسلامية إلى إقامة علاقات اقتصادية أوثق مع بلاده. من جهته، قال الرئيس الإيراني إن «اثراً عكسياً» تحقق من الرأسمالية العالمية التي «باءت بالفشل»، داعياً إلى تعزيز العلاقات بين الدول الإسلامية «باتجاه التنمية». وقال: «نريد المساهمة في تشكيل الهياكل الاقتصادية والسياسية. وإذا لم نأخذ المبادرة ستملأ الإمبريالية الفراغ»، مقترحاً استخدام العملات المحلية بين الدول الأعضاء وتأسيس سوق مشتركة ورفع التأشيرات وتعزيز التبادل التجاري بينها، و «الاستقلال عن النظام الرأسمالي العالمي الذي أعلن إفلاسه». وشدد على ضرورة تعزيز التعاون بين سورية وإيران وتركيا والعراق. ولم يتطرق إلى الملف النووي والمفاوضات في شأنه. وفي كلمته، حذر الرئيس السوري من أن فشل المفاوضات في إعادة الحقوق العربية كاملة «يعني في شكل آلي، حلول المقاومة كحل بديل» من المحادثات، مشيراً إلى أن «دعم المقاومة من قبلنا واجب أخلاقي وشرعي، ومساندتها شرف نفاخر به» من دون أن يعني ذلك عدم الرغبة في تحقيق السلام الشامل والعادل على أساس استعادة الاراضي المحتلة. وتوجه إلى المشاركين في القمة قائلاً: «إذا كانت الجوانب القانونية والفنية ضرورية للنهوض بالتعاون (بيننا)، فإن الإرادة السياسية هي الأساس لذلك. وكي تتمكن هذه الإرادة من إنجاز ما تسعى إليه، فلا بد لها من أن تكون مستقلة عن أي محاولات للتدخل الخارجي تسعى إلى تقييدها أو توجيهها وأن تكون بالتالي نابعة من أرضها ومن إرادة شعبها». وقال: «بمقدار ما يرتبط الاقتصاد بالمعرفة بمقدار ما يرتبط بالسياسة. فما قيمة الحديث عن الرفاهية أمام إنسان لا يعرف الأمان وحياته مهددة مع مطلع كل صباح وكيف يمكن تحقيق الازدهار في منطقتنا وبؤر الانفجار تدمر كل أمل في حلول قريبة ولا تنتج سوى الألم والإحباط لدى شعوبنا... من البديهي أن اقتصادنا مرتبط بوجودنا، وما واجهناه خلال عقود مضت هو تحديات وجودية لا عابرة، ولقد استشعرنا هذا الخطر منذ أربعين عاماً عندما أسسنا المنظمة عقب قيام الإسرائيليين بإحراق المسجد الأقصى، واليوم تتكرر المحاولات في شكل أكثر تصميماً من أجل إزالته نهائياً بالتوازي مع بدء عملية تهويد القدس عبر طرد الفلسطينيين من منازلهم وإحلال المستوطنين محلهم في عملية منظمة تترافق مع العدوان اليومي وارتكاب المجازر الجماعية وتدمير البنى التحتية بهدف دفع الفلسطينيين لليأس المطلق وبالتالي الهجرة خارج أرضهم فلسطين كسياق طبيعي يؤدي في محصلته النهائية إلى تحقيق الدولة اليهودية الصافية». وبعدما شدد على أن «مقاومة الاحتلال هي واجب وطني»، وعلى ضرورة دعمها، قال إن «هذا لا ينفي أبداً رغبتنا الثابتة بتحقيق السلام العادل والشامل على أساس عودة الأراضي المحتلة، وفي مقدمها الجولان السوري المحتل، لكن فشل المفاوضات في إعادة الحقوق كاملة يعني في شكل آلي حلول المقاومة كحل بديل». وأضاف: «علينا أن لا نخدع بما يطرح عن وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية كأساس للعودة إلى المفاوضات، وكأن المشكلة كلها أصبحت تكمن في الاستيطان فقط، فوقف الاستيطان ليس هدفاً بحد ذاته، بل مرحلة أو خطوة لا أكثر. فماذا عن إزالة المستوطنات بدلاً من إيقافها؟ والأهم من ذلك ماذا عن إنهاء الاحتلال؟ لذلك علينا أن نبقي المشكلة في إطارها الأساس والسبب الحقيقي لها هو الاحتلال الإسرائيلي. وإنهاء الاحتلال يضمن لنا وقف المستوطنات ومن ثم إزالتها، وليس العكس». ودعا إلى «دعم غزة بالرفع المباشر للحصار الذي تتعرض له وتأمين المتطلبات الأساسية لاستمرار الحياة فيها من قبل دولنا في شكل جماعي وعاجل». وندد ب «تعاطي بعض الدول الغربية السلبي مع تقرير (القاضي ريتشارد) غولدستون الذي فضح بالأدلة جرائم إسرائيل ومحاولاتهم التغطية على هذه الجرائم»، معتبراً أنه «يؤكد أن الاعتماد على الآخرين لن يجعلنا نحقق أياً من أهدافنا... ولا حلول منصفة حين يقررها الآخرون نيابة عنا ولا أحد سيحرص على مصالحنا أو يصون حقوقنا عندما نتهاون في شأنها... الوعود المخادعة مصيرها التبدد، والاستسلام لها يعني تبدد مكانتنا وحقوقنا ومصالحنا». وخصص أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح كلمته للحديث عن الجانب الاقتصادي. وقال: «عصفت بأسواقنا المالية أزمة عالمية امتدت اثارها إلى قطاعاتنا الاقتصادية كافة، وتتضافر جهودنا جميعاً للحد من أثار هذه الأزمة»، مشيراً إلى دور بلاده في دعم «كومسيك». أما نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي فقال إنه مع كل ما تحقق حتى الآن في بلاده «لا بد من الاعتراف والاقرار بأن أمام العراقيين شوطاً طويلاً من أجل استكمال بناء مؤسسات الدولة. لكننا مصممون على ذلك طال الزمن أو قصر. لذلك أناشد كل دول العالم تقديم كل وسائل الدعم والمساعدة من أجل أن يستعيد العراق عافيته التي ستؤول خيراً عميقاً للمنطقة والعالم أجمع». وكانت المستشارة السياسية والإعلامية في الرئاسة السورية الدكتورة بثينة شعبان دعت في تصريحات إلى «الحياة»، إلى ضرورة تعزيز التعاون بين سورية والعراق وتركيا وإيران ل «خلق فضاء إقليمي يخدم الاستقرار في المنطقة»، وإلى ضرورة تعزيز منظمة المؤتمر الإسلامي لتكون قادرة على «التعامل» مع منظمات أخرى، معتبرة أن قمة «كومسيك» شكلت «نقلة نوعية» للانتقال من مجال القول إلى الفعل في تعزيز التعاون.