تدور القروض البنكية بحياة المقترضين السعوديين دورة كاملة من المهد إلى اللحد، إذ تكبل الموظف في بدايته بأقساط المتطلبات الرئيسية من سيارة ومنزل وزواج، لتعلق ذكراه الحزينة بفرحة أول طفل ينجم عن الزواج القائم على الدين، وتبقى كلمة «الأقساط» تلازم مسمع الطفل الصغير إن اختارت الأسرة لابنها الدراسة في مدرسة أهلية، ليكبر الشاب ويبني أحلامه عند لوحة إعلان قرض بنكي يعده بإطلاق مشروعٍ صغير ينجيه من جحيم البطالة. وربما تحول «منزل العمر» بالنسبة إلى الأب إلى سراب إن استعاد البنك رهنه في حال العجز عن سداد القرض، لتعود الدورة إلى الاكتمال مع تقديم الابن على قرضه هو للزواج. وفي حين لا تراعي البنوك التجارية أحوال المقترضين وأهمية طلباتهم، لا يعبأ كثير من المقترضين بضرورة قرضه ولا بالنسبة التي توضع على كاهله، سواءً حمل القرض صفة «الإسلامي» أم «التقليدي»، فالعبرة فقط في ألفاظ الاتفاق وحصول كل على حصته دوناً عن المقاصد وحقيقة التطبيق، حتى تجاوز عدد المقترضين في السعودية مع بداية العام الحالي إلى مليونين بحسب «سمة الائتمانية» 55 في المئة منها للزواج أو لترميم منزل. وتلعب العقلية البيروقراطية الحكومية التي تغيب «القرض الحسن» في مؤسسات التمويل والدعم الحكومية، حتى عن مستحقيها، دوراً كبيراً في ازدياد علامات التعجب والاستفهام عن أسباب عجز الدائن عن استرداد حقوقه من المدين، حتى وصلت حد اللجوء إلى الآية القرآنية (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) على موقع صندوق التنمية العقارية السعودي الالكتروني. وعلى رغم تقديم وزارة المال خدمة «القرض الحسن» للفنادق والمستشفيات، والمشاريع الزراعية والصحافية المتنوعة والمخابز الآلية والمقاولين ومستودعات التبريد ومصانع تعبئة التمور والكليات والمدارس، حتى وصل إجمالي القروض على مدى 43 عاماً (1386 ه - 1429 ه) نحو 6.6 بليون ريال سعودي فقط، لم تظهر أية علاقة بين مجالات الإقراض والخطط التنموية والاستراتيجية في السعودية، ولم تحصل الكليات والمدارس على أكثر من 860 مليون ريال لثماني كليات و38 مدرسة، على رغم التأكيد على التحول نحو مجتمع المعرفة والاقتصاد المعرفي.