لطالما تساءلنا نحن العرب من أين يأتي الأوروبيون بأسماء قِطع الحلوى التي يصنعونها. لكن هؤلاء الذين يحرصون دائماً على أن يكون لكل شيء اسم ويستوحون الأسماء من محيطهم وأسماء قادتهم أو مثقفيهم أو مبدعيهم، وصلت بهم الأمور الى استيحاء أسماء جديدة من خضم عالم الموضة ومشاهيرها. ففي باريس، درجت منذ فترة أن يدشن عمالقة الابتكار قطعة من الحلوى تحمل اسم كل واحد منهم قبل أن تحتل هذه القطعة مكانة بارزة فوق قائمة حلويات أحد أكبر المطاعم في العاصمة الفرنسية وهو «كافيه دو لا بيه». وبين المصممين الذين دخلوا اللعبة، اللبناني إيلي صعب الذي منح اسمه بشيء من الفخر قطعة مستطيلة مصنوعة من الكريم والبسكويت الهش المغطى بالشكولا. ويعتلي القطعة مستطيل صغير مدون عليه اسم إيلي صعب بالفرنسية. كريستوف راوكس هو صاحب هذه الفكرة الفذة والناجحة، وهو يعتبر من أكبر وأكفأ المتخصّصين في فن الطبخ والحلويات في العالم اذ استحق أكثر من وسام رسمي في عمله وباشر تحضير الوجبات لدى سلسة المطاعم الراقية التي يمكلها آلان دوكاس في أوروبا وأميركا. هذا عدا عن عمله في فندق «ريتز» الباريسي وغيره من الأماكن ذات السمعة الدولية التي تجذب النجوم والأمراء ورؤساء الدول إلى طاولاتها. وها هو راوكس يحتلّ الآن مكانة «شيف» في فندق «أنتركونتيننتال» الباريسي المجاور ميدان الأوبرا، وبالتالي لمطعمه الأسطوري «كافيه دو لا بيه» المفتوح منذ عام 1862 والذي عاشره باشوات مصر في زمانهم، ويأتي إليه الآن كل من أحب أن يراه الناس في هذا المطعم الذي هو أيضاً مقهى من الدرجة الأولى. فهناك الأدباء والفنانون ورجال الأعمال والشخصيات المنتمية إلى المجتمع المخملي والتي كثيراً ما تكون قادمة من الخارج في زيارة باريسية رسمية أو سياحية لا تخلو من وجبة أو جلسة ودّية في هذا المكان. ويحب راوكس التركيز على نقطة أساسية تتلخص في كونه ورث هذا المشروع من الذين سبقوه في منصبه الحالي. فتسلم زمامه وطوّره وحوله من مناسبة صغيرة محددة في الزمن إلى احتفال دائم. وذلك من طريق صنع قطعة من الحلوى لكل مبتكر يثير اهتمامه ويلعب دوراً في تاريخ الأناقة الباريسية، وذلك بمعدل مرة في كل موسم لا سيما في أوقات تقديم عروض الموضة التي يحضر إليها الإعلام الدولي. أما عن الفكرة الكامنة وراء المشروع، فهي بسيطة وتتعلق بإظهار العلاقة الموجودة ما بين الموضة الراقية وفن تحضير الأكل الراقي أيضاً. إذ إن راوكس متأكد من أن هناك جسراً يربط بين الطعام والأزياء. وهو بالتالي يريد أن يهدي إلى كل مصمم قطعة من الحلوى ترمز إلى موضته الشخصية مثلما يراها راوكس ويتصورها. وإضافة الى إيلي صعب، صنع راوكس قطع حلوى تحمل أسماء كل من باكو رابان وكلود مونتانا وفرانك سوربييه وشانتال توماس وأنياس بي وستيلا كادنتي وأغاثا رويز دي لا برادا وجان كلود جيتروا وأوليفييه لابيدوس وقرينته اللبنانية يارا وغاسبار يوركيفيتش وسونيا ريكيال، وقائمة الانتظار طويلة كونه مستمراً في زيادة عدد السلسلة. كما يفكر حالياً في صنع قطعة تحمل اسم المبتكر اللبناني جورج شقرا. ويصرح راوكس بأنه يحب موديلات إيلي صعب لأنها تجمع بمهارة فائقة بين جذوره الشرقية وبين الكلاسيكية التي لا بد من أن نخضع لها الموضة الراقية ولو إلى حد ما. فهو عرف كيف يتعدى الجانب المحلي الفولكلوري البحت لمخاطبة الجميع، وهذه أفضل وسيلة دعائية يفرض بها المرء شخصيته وهويته على العالم. وعن إمكان العثور على القطع المختلفة فوق قائمة الحلويات في مطعم «كافيه دو لا بيه» يرد راوكس: «نعم، بطبيعة الحال، ولكن شرط أن تكون القطعة هي التي تخص الموسم الحالي، إذ إنني أصنع هذه القطع مثلما يبتكر مصمم الأزياء موديلاته من الفساتين الراقية، أي في كميات محدودة وللموسم الواحد فقط».