أمير منطقة المدينة المنورة يؤكد أهمية استثمار المقومات الاقتصادية للمنطقة لتعزيز فرص العمل    التويجري: السعودية تُنفّذ إصلاحات نوعية عززت مبادئها الراسخة في إقامة العدل والمساواة    قمة آسيا للذئاب    التعاون يهزم الخالدية ويتصدر مجموعته برصيد 12 نقطة    خادم الحرمين يتلقى رسالة خطية من أمير الكويت    خادم الحرمين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء… الخميس    أمير القصيم يدفع ب236 خريجاً من أكاديمية البناء لسوق العمل    4 قمم تزيد إثارة روشن    اليونيفيل ترحّب بوقف إطلاق النار في لبنان وتؤكّد مواصلة أداء مهامها    أمين الرياض : تدشين قطار الرياض يعكس حجم الطموح الذي تحمله القيادة الرشيدة لمستقبل العاصمة    ترحيب دولي بوقف النار بين حزب الله وإسرائيل    محافظ خليص ووكيل محافظة رابغ يطّلعان على مشروع تحول حوكمة مكاتب التعليم    وكيل إمارة جازان يفتتح برنامج المخدرات عدو التنمية    مجلس شؤون الأسرة يرعى كرياثون "الإبداع في الأسرة"    تعيين اللاعب الدولي السابق "صالح الداود" مديراً للمنتخب الأول    تحديث لبعض أنظمة أبشر    استطلاع: 60 % سيستخدمون مترو الرياض للذهاب للعمل والمدارس    وزير الثقافة يوجه بتمديد معرض "بنان" حتى 30 نوفمبر الجاري    طريف تسجّل أدنى درجة حرارة بالمملكة    أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم بالمنطقة    الجاسر: قطاع النقل حقق نسبة نمو 17% منذ إطلاق الاستراتيجية الوطنية    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    الخريف: الصندوق الصناعي اعتمد مشاريع بقيمة 12 مليار ريال في 2024    وزير الرياضة : 80 فعالية عالمية زارها أكثر من 2.5 مليون سائح    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    "أنا المدينة".. تجربة واقع افتراضي تنقل الزوار إلى العهد النبوي    وزير الطاقة يعقد اجتماعًا ثلاثيًا مع نائب رئيس الوزراء الروسي ووزير الطاقة الكازاخستاني    نائب وزير الصحة يستعرض إنجازات "مستشفى صحة الافتراضي" ضمن ملتقى ميزانية 2025    "سلمان للإغاثة" يوقع اتفاقية لتشغيل مركز الأطراف الصناعية في مأرب    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    شراكة تعاونية بين جمعية البر بأبها والجمعية السعودية للفصام (احتواء)    توقيع مذكرة لجامعة الملك خالد ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    المملكة تشارك في اجتماعات الدورة ال29 لمؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي    وزير الدفاع اللبناني: لا حرية لإسرائيل في أراضينا    الأونروا تحذّر من وصول الجوع إلى مستويات حرجة في غزة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    استقرار الدولار الأمريكي قبيل صدور بيانات التضخم    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    وصول الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    في دوري يلو .. تعادل نيوم والباطن سلبياً    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    هؤلاء هم المرجفون    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسة قانونية: حق الأم في فتح حساب مصرفيّ لولدها القاصر
نشر في الحياة يوم 06 - 11 - 2009

دراسة قانونية: درجت المصارف اللبنانيّة على عدم تخويل الأم فتح حساب دائن لولدها القاصر، ولو قامت هي بتغذية رصيد الحساب، وحصر هذه المعاملة المصرفية بالأب. وبمراجعة إدارات المصارف عن السبب الكامن وراء ذلك يكون الجواب: الولاية الجبرية. فتكون المسألة المطروحة إذاً هي تخويل الأم فتح حساب مصرفي دائن لصالح ولدها القاصر دون حاجة لموافقة الوليّ الجبريّ أي الأب. مكتب د. بول مرقص للمحاماة www.justiciabc.com تاريخ 16/10/2009 دراسة قانونية درجت المصارف اللبنانيّة على عدم تخويل الأم فتح حساب دائن لولدها القاصر، ولو قامت هي بتغذية رصيد الحساب، وحصر هذه المعاملة المصرفية بالأب. وبمراجعة إدارات المصارف عن السبب الكامن وراء ذلك يكون الجواب: الولاية الجبرية. فتكون المسألة المطروحة إذاً هي تخويل الأم فتح حساب مصرفي دائن لصالح ولدها القاصر دون حاجة لموافقة الوليّ الجبريّ أي الأب. *** تُقسم الدراسة الحاضرة على النحو التالي: في قسم أول تعريفٌ للأهلية والولاية الجبرية، وفي قسم ثانٍ تعريفٌ لحقوق المرأة الأم، وفي القسم الثالث استعراضٌ لموقف عدد من الأنظمة المصرفية الأجنبية، ومن ثم في القسم الرابع والأخير نتقدم باقتراحات حلول للمسألة المطروحة أعلاه. القسم الأول: تعريف الأهلية ومفهوم الولاية الجبرية: 1. نصت المادتان 215 و216 من قانون الموجبات والعقود على أنّ الأهلية نوعان: أهلية وجوب وأهلية أداء. ويستخلص من هاتين المادتين أن أهلية الوجوب (capacité de jouissance/capacity of possession) هي صلاحية الشخص للتمتع بالحقوق وتحمّل الواجبات، وتتوافر هذه الأهلية في كل إنسان منذ ولادته أو حتى قبل ذلك، ونشير هنا إلى الجنين المولود حيًّا وقابلاً للحياة. أما أهلية الأداء capacity of exercise)/(capacité d'exercice وهي القدرة على استعمال الحقوق وتأدية الواجبات، فلا يتمتع بها كاملةً سوى الشخص العاقل المميّز الذي بلغ سنّ الرشد. وينظّم الفقهاء الأهلية بالتدرُّج بحيث يكون عامل التمييز هو الأساس في التدرج بالنسبة إلى الشخص الطبيعي وتالياً تُقسم العقود من حيث الأهلية إلى أقسام ثلاثة1: العقود الضارة ضررًا محضًا، وهي عقود التبرُّع بالنسبة إلى المتبرِّع. العقود الدائرة بين النفع والضرر، وهي عقود العوض بصورة عامة، أي التي ترتب موجبات يلتزم بها العاقد ويأخذ مقابلاً لما التزم به. وهذه العقود على نوعين: عقود الإدارة ويقصد بها استغلال الشيء واستثماره، وعقود التصرف وهي التي تَرِد على ملكية العين ذاتها. ومن عقود الإدارة، عقد الإيجار بالنسبة إلى المؤجر، ومن عقود التصرف، عقد البيع والمقايضة والرهن والشركة. العقود النافعة نفعًا محضًا، وهي عقود التبرُّع بالنسبة إلى المتبرَّع له، ومثال على ذلك عقد العارية بالنسبة إلى المستعير والهبة بالنسبة إلى الموهوب له. وأمّا الشخص كامل الأهلية فبوسعه أن يجري جميع هذه العقود. وإذا كانت أهلية الأداء منعدمة إنعدامًا تامًا، كما هو الأمر بالنسبة إلى القاصر غير المميِّز والمجنون، فإن فاقد الأهلية لا يكون أهلاً لمباشرة أي نوع من أنواع العقود المذكورة، وكل تصرّف منه يقع باطلاً بطلانًا مطلقًا. وأمّا إذا كانت الأهلية ناقصة كما هي حال الولد المميِّز، فإنه يستطيع مباشرة العقود النافعة له نفعًا محضًا. أمّا العقود الضارة فلا يستطيع إجراؤها وتلك التي تدور بين النفع والضرر تكون موقوفة على إذن وليه2. ويستخلص من المادتين 214 و216 من قانون الموجبات والعقود أنّ التصرفات التي يجريها القاصر المميّز قابلة للإبطال في حين أنّ التصرفات التي يجريها القاصر غير المميّز تعتبر كأنها غير موجودة أصلاً ومعدومة الكيان3. لهذه الأسباب وللأسباب التي سوف نعرضها لاحقًا، تُعنى الدراسة الحاضرة بالقاصر المميّز وليس بالقاصر غير المميّز. 2. تستوقفنا في هذه المرحلة معضلة الولاية الجبريّة. فالقوانين، ومعها المحاكم المدنية والروحية والشرعية والمذهبية، تتفق على إعمال مبدأ الولاية الجبريّة للأب على أولاده القاصرين. وينسحب هذا المبدأ على العلاقات المدنية والتجارية: أ. عرَّفت المادة 119 من قانون الطوائف الكاثوليكية الولاية الجبريّة بوضوح بأنها "مجموعة حقوق الوالدين على أولادهم وواجباتهم نحوهم في النفس والمال إلى أن يدركوا سنّ الرشد". فتكون الولاية على نوعين: ولاية على النفس وتتعلّق بشخص القاصر وولاية على المال وتخصّ استثمار أمواله والتصرف بها وحفظها. غير أنه يتضح من المادتين 134 و136 من القانون السالف الذكر أن الأم لا تُمحَض هذه السلطة إلاّ قضاءً عند إسقاط حق الأب أو حرمانه منها بموجب حكم، أو عند وفاته، وبعد إثبات أهليتها وقدرتها على ممارسة هذه السلطة. وكذلك لدى الطوائف الإسلامية، يملك الأب الولاية على نفس أولاده وأموالهم ثمّ يليه قرابة العصبة4. ب. نصت المادة 1106 من قانون الموجبات والعقود على أن "جميع أحكام "المجلّة" وغيرها من النصوص الإشتراعية التي تخالف قانون الموجبات والعقود أو لا تتفق مع أحكامه، ألغيت وتبقى ملغاة". ونصت المادة 974 من مجلة الأحكام العدلية التي ما زالت سارية المفعول على أنّ " ولي الصغير هو أولاً أباه. ثانيًا الوصي الذي اختاره أبوه ونصّبه في حال حياته إذا مات أبوه. (...)". فيتبيّن ممّا تقدَّم أن الولاية الجبرية وجدت لملء فراغ، فما هو إذاً؟ هو نقص في الإدراك يسدّه أساساً أحد الوالدين المعيّن في القانون، وهو الأب. وبالتالي يختار ويلتزم هذا الأخير باسم الولد القاصر، أي أنّ الولاية الجبرية وُجدت لحماية القاصر وأمواله. إذاً، لم توجد الولاية الجبرية لمنع القاصر وإعاقته من حصوله على التبرعات على سبيل تراكميّ وتنفيعيّ ولا هي لتحول دون إدارة أمواله بما يعود عليه بالنفع، وبالأَوْلَى متى كان مصدر المال هو الأم – أقرب المقرَّبين إليه. وإنّ حماية الأشخاص الذين أشار إليهم قانون الموجبات والعقود وهو القانون العام، وخصوصاً القاصر (المواد 214 و216 و846) والشركة (المواد 846 و863 و865 و867 و870 و895)، إنما جاءت فلسفتها لحماية الذمة المالية لهؤلاء من أي تبديد أو تفريط ولم تكن مطلقًا لمنعهم من إجراء الأعمال القانونية التي تعود عليهم بالنفع المحض أو قبول الحقوق والأموال. وبالأخص، بالنسبة الى المرأة، فإنّ أهلية أداء أو التزام المرأة قانوناً هي غير منقوصة إذ أنّ هذه الأهلية تخوّلها إجراء جميع التصرفات القانونية ولاسيما منها التفرغات دون الرجوع إلى الزوج أو إلى أي وليّ آخر، ومن ذلك هبة أموالها المنقولة وغير المنقولة إلى ولدها. فللمرأة ذمة مالية مستقلة عن ذمة الزوج تُعطيها استقلالاً ماليًا، وكل ما تكتسبه عن طريق عملها المأجور أو بالإرث أو بأي طريق آخر يدخل في ذمتها وتنفقه كما تشاء. إن فتح حساب مصرفيّ، وبالأخص دائن، لمصلحة الولد القاصر، يجب عدم مقاربته من زاوية السلطة الوالدية أو الولاية الجبرية على القاصر بل من زاوية الأعمال النافعة للقاصر. بمعنى آخر، يقتضي التفريق بين: - الولاية الجبرية على القاصر التي تنطوي على إعطاء الأب سلطة تقدير مصلحة القاصر وحمايتها، - وبين الأعمال النافعة نفعًا محضًا للقاصر والتي لا يمكن أن يختلف إثنان على طابعها النافع. مما يدفعنا إلى القول أنّ فتح حساب مصرفي دائن لمصلحة القاصر هو من الأعمال النافعة نفعاً محضاً للقاصر وتصبّ في مصلحته المطلقة. والهبة النقدية الممنوحة من الأم لولدها، إنّما تحتاج إلى وعاء يستقبل النقود ألا وهو حساب مصرفيّ تودع فيه، ليس إلا. فيكون بذلك الحلّ راهنًا ليس في تعديل القوانين المتعلقة بالولاية الجبرية إنما في تفعيل سائر نصوص القانون الوضعيّ اللبنانيّ التي تجيز للمرأة فتح حساب لمصلحة ولدها القاصر. والسند القانونيّ في ذلك لا يكمن في أنَّ القانون اللبناني لا يمنع الأم صراحةً من فتح حساب لولدها القاصر، فحسب، بل لأن الأصل هو الإباحة والمنع هو الإستثناء؛ فما ليس ممنوعًا صراحةً يكون مباحًا، ولأن لا علاقة للولاية الجبرية بالهبة النقديّة غير المقيّدة بشرط لصالح القاصر والتي تصح بصورة أَوْلى عندما يكون الواهب أمّه، كما لا علاقة لفتح حساب مصرفيّ للقاصر بأنظمة الأحوال الشخصية للطوائف. وإن صحَّ أن لبنان كان يتحفّظ عن إعطاء المرأة حقوق الولاية على أولادها إلاّ أنه لم يتحفظ قطّ عن منحها حق إجراء الهبات أو حق الإدارة المحدودة للأموال الآيلة منها إلى أولادها ولا بالتأكيد عن تخويلها حق فتح حساب تودع فيه هذه الأموال. القسم الثاني: حقوق المرأة الأم: 1. ليس من محض الصدف أن مسيرة النضال في سبيل تحصيل حقوق المرأة في لبنان لم تلحظ إجازة فتح حساب مصرفيّ للولد من قبل أمه، رغم أن هذه المسيرة لحظت، منذ الخمسينات، مراحل عديدة على هذا الدرب، منها: - الحقوق السياسية عام 1953. - المساواة في الإرث عام 1959. - حق المرأة في خيار الجنسية عام 1960. - حرية التنقّل سنة 1974. - إلغاء الأحكام المعاقبة لمنع الحمل عام 1983. - توحيد سن نهاية الخدمة للرجال والنساء في قانون الضمان الاجتماعي عام 1987. - الإعتراف بأهلية المرأة للشهادة في السجل العقاري عام 1993. - الإعتراف بأهلية المرأة المتزوجة لممارسة التجارة دون إجازة من زوجها عام 1994. - حق الموظفة في السلك الدبلوماسي التي تتزوج من أجنبي بمتابعة مهامها عام 1994. - أهلية المرأة المتزوجة في ما يتعلق بعقود الضمان على الحياة عام 1995. - إبرام اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة عام 1996. فلم تكن قطّ مدرجة في جدول أعمال المرأة طوال نصف قرن من النضال مسألة فتح حساب بإسم الولد أو لصالحه على اعتبار أنّ ذلك لا يتطلب بالضرورة ورشة تشريعية. ومردّ ذلك إلى أن أحكام الدستور تساوي بين اللبنانيين جميعًا، بحيث نصت في المادة 7 منه على أن "كل اللبنانيين سَوَاء لدى القانون وهم يتمتعون بالسَّواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دون ما فرق بينهم"، وكذلك المواثيق الدولية التي تعهَّد لبنان الالتزام بها في مقدمة الدستور، ومبادئ العدالة والإنصاف، ونيّة المشترع الذي أراد مراعاة وحدة العائلة آخذًا في الإعتبار مصلحة الولد نفسه. 2. غير أن التطبيقات الحالية الحائلة دون تخويل المرأة فتح حساب مصرفيّ لمصلحة القاصر تخالف أحكام الدستور اللبناني والمواثيق الدولية ولاسيما إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي أبرمها لبنان، ولو بتحفّظ، بموجب القانون رقم /572/ الصادر بتاريخ 24/7/1996. وهذه المواثيق تعتبر مكمّلة للإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي ينصّ في المادة الأولى منه أن للرجل والمرأة حقوقًا متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله. وفي حال مخالفة التشريع الوطني لأحكام الاتفاقية، على القاضي أن يطبق أحكام الاتفاقية لأن لها الأولويّة على التشريع الوطني بما يتّفق مع المادة الثانية من قانون أصول المحاكمات المدنيّة التي تنص على ما يلي: "على المحاكم أن تتقيّد بمبدأ تسلسل القواعد. عند تعارض أحكام المعاهدات الدولية مع أحكام القانون العاديّ، تتقدم في مجال التطبيق الأولى على الثانية (...)". وبالتالي فقيمة الدستور والمواثيق الدولية ليست معنويّة بحتة إنّما قانونيّة أيضًا. القسم الثالث: موقف عدد من الأنظمة المصرفية الأجنبيّة: خرجت بعض المصارف اللبنانية عن نمطيّة التعامل المصرفيّ التقليديّ وعن نَصِّيّة القاعدة القانونية بأن فتحت حسابات مصرفية بإسم قاصرين – ولو بإذن وليهم الجبريّ (الأب) – متجاوزةً بذلك القاعدة القانونية التقليديّة القائلة بضرورة بلوغ سنّ الرشد لفتح حساب مصرفيّ، حتى أنها ذهبت إلى إصدار شيكات بإسم هؤلاء القاصرين – ولو بألوان مختلفة عن الألوان المعتمدة للشيكات – يوقعون عليها بمبالغ محدودة. ومن جهة أخرى، وفي ظلّ سكوت التشريع، بادرت المصارف اللبنانيّة إلى الإستثمار في مجال التأمين المصرفيّ أو ما يُعرف بالفرنسية Bancassurance فوفّرت لعملائها، بالتعاون مع شركات الضمان، برامج تعليم جامعيّ و/أو مدرسيّ، بحيث أعطت هذه الشركات للأم وأيّ شخص يثبت مصلحة تأمينيّة (Insurance interest)حق تعيين الولد القاصر مستفيداً من عقد التأمين. تُدفع مِنح التعليم عند حلول الأجل في يدّ الأم التي لها أن تفيد القاصر أو أن لا تفيده. علاوةً
على ذلك، في حال وفاة الأم قبل التاريخ المذكور، تسدد شركة الضمان وبالنيابة عن العاقد الأقساط الشهرية وتحوّل المبالغ موضوع العقد الى حساب مستقل إلى حين حلول الأجل المحدّد ببلوغ القاصر المستفيد سنّ الرشد. ولا تدفع هذه المبالغ الى القاصر إلاّ عند بلوغه سنّ الرشد. وتالياً لا يتأثر هذا العقد بأحكام قوانين الأحوال الشخصيّة أو قوانين الإرث. خرجت بعض الأنظمة والمصارف الأجنبية، الإسلامية والعربية منها، عن القواعد العامة التي تعطي للأب وحده الولاية الجبرية على أولاده كونه الحارس الطبيعي على نفسهم ومالهم، بأن وفَّرَت للأم إطارًا قانونيًا مصرفيًا خوّلها فتح حساباً مصرفياً لأولادها القاصرين بشروط محدّدة ومحصورة حفاظاً على حقوق القاصرين. وعلى سبيل المثال، في دولة الكويت، يحق للأم، بمعزل عن ولاية الأب أو الجدّ الجبرية، ولمجرد إبرازها شهادة ولادة أصلية لأولادها القاصرين وبطاقة الهوية، أن تفتح لهم حسابًا مصرفيًا تديره وتغذّيه وحدها دون الأب. فقد أنشأ بيت التمويل الكويتي Kuwait Financial House حساب "بيتيBaitii " للأطفال، المسمّى سابقًا حساب "البراعم"، يفتحه الوليّ الطبيعي (الأب والجدّ) والوصي أو الأم ومن له صلة القرابة بالطفل من الدرجة الثانية (الجدّة). ويتميّز هذا الحساب أولاً بأنه حساب توفير استثماري مخصص للأطفال من الجنسين حديثي الولادة حتى سنّ الأربع عشرة سنة، ويتميّز ثانيًا بحد أدنى للرصيد هو عشر دنانير كويتية5 وثالثًا، بإضافة محصّلة الإستثمار الى الحساب في نهاية العام. تندرج هذه التجربة الكويتية في إطار تمكين الأهل، وخصوصًا الأم، من بناء مستقبل مشرق لأطفالها وتوفير الفرص الواعدة لهم عند بلوغهم سنّ الرشد6. لم تقتصر تلك التجارب على تعاملات ومنتجات المصارف الأجنبيّة إنما طالت نصوصاً قانونية حيث حقّق قانون مدوّنة الأسرة المغربيّة الجديدة قفزة نوعيّة فنصّ في المادة /239/ منه على إعطاء الأم وكل متبرّع حق الإشتراط "عند تبرعه بمال لمحجور، بممارسة النيابة القانونية في إدارة وتنمية المال الذي وقع التبرع به، ويكون هذا الشرط نافذ المفعول". كذلك، وَضَعَ مصرف ترفنكور (Travancore)7، عضو المصرف المركزيّ في الهند، في تصرف عملائه، حساباً خاصًا للقاصرين تُعَيّن فيه الأم كحارسة على موجودات هذا الحساب، تطبيقًا لتعميم المصرف المركزيّ8. وضمانةً لحقوق القاصرين أعطيت الأم الحق بتحريك الحساب إيداعًا دون حق السحب على نحو يكون فيه رصيد الحساب دومًا دائنًا لصالح القاصر. وفي الجمهورية الإسلامية في إيران، مكّن مصرف "بيت المسكن"9 الأم من فتح حساب توفير الغاية منه تأمين سكن لولدها القاصر. وقد أعطى هذا النظام القانوني لأي شخص بمن فيه الوالدين أو الوصي أو الأقارب أو أي كان حق طلب قرض سكنيّ يكون القاصر مستفيدًا منه. ولم يكتفِ مصرف "بيت المسكن" بتخويل الراشدين فتح حساب باسم القاصر إنما تخطى الشكليات وأعطى القاصر نفسه والبالغ من العمر إثنتيّ عشرة سنة على الأقل الحق بفتح حساب مصرفيّ بإسمه الخاص مع إبقاء حق السحب معلقًا إلى حين بلوغ القاصر خمس عشرة سنة. أمّا في فرنسا، فتعود الولاية الجبريّة إلى الأب والأم بالإتحاد في ما بينهما (conjointement/jointly) حتى في حالات الهجر بين الزوجين أو الطلاق أو المساكنة، بحيث يستمر الأب والأم معًا بممارسة الولاية الجبرية على أولادهما. لذا فالولاية الجبرية في فرنسا هي سلطة الوالدين وليس سلطة الأب (autorité parentale et non puissance paternelle/parental authority and not authority of the father) على نفس القاصر وأمواله، ولا يجوز أن يمارسها أحدهما وحده ولا حجبها عن الآخر. أمّا في حال اختلاف الوالدين على موضوع معيّن يخص القاصر، فيكون من صلاحية القاضي الناظر في القضايا العائلية اتخاذ القرارات المناسبة مراعيًا في ذلك مصلحة القاصر الفضلى. وتالياً يعود للوالدين معاً حق إجراء الإستثمارات المالية والتوقيع بإسم القاصر على عقود فتح حساب مصرفيّ أو طلب قرض سكني10. جميع هذه التجارب والأنظمة تعترف بالأصل بالولاية الجبرية للأب دون أن تشكل إنتقاصًا من ولاية الأب الجبرية كنظام حماية (Ordre public de protection /Safeguard Law and order) بشيء بل على العكس تماماً، إنما هي تصب في خانة التصرفات القانونية التي تعود بالنفع المحض على الولد القاصر. يبقى أن هذه المنتجات المصرفية تستند إلى تفسير مرن للأحكام القانونية المتعلقة بالقاصر، ويمكن التأسيس عليها لتعزيز فكرة حق الأم في فتح حساب دائن لولدها القاصر. القسم الرابع: الإقتراحات في ضوء الملاحظات أعلاه، نرى أن أحكام القانون اللبناني تتضمّن نصوصًا ينبغي الإستناد إليها لتعزيز حق المرأة في فتح حساب دائن باسم ولدها القاصر، بحيث يستند حق المرأة إلى التعاقد لمصلحة الغير (الإقتراح المبدئي الأول) أو يكون بإعمال الأحكام القانونية المتعلقة بالعقود الإئتمانية (الإقتراح الثاني). الإقتراح الأول: التعاقد لمصلحة الغير: 1. نصّت المواد 227 إلى 231 من قانون الموجبات والعقود على التعاقد لمصلحة الغير. وتنشأ عن هذا التعاقد علاقة ثلاثية بين المعاقد (Le stipulant/The stipulator) والمتعهد (Le promettant/The promesor /The assignor) والمنتفع (Le bénéficiaire/The beneficiary/ The assignee). "فالمتعهد يلتزم تجاه المعاقد بأن يفي بموجبٍ ما تجاه المنتفع فيصبح هذا الأخير دائنًا مباشرًا له بهذا الموجب"11 استثناءً على مبدأ نسبية العقود القائل بأنه لا يمكن لشخص ثالث ليس طرفاً في العقد، أن يكتسب حقوقًا أو يصبح مديناً. فهذه النصوص القانونية تضمّنت إجازة للمرء بأن يعاقد بإسمه لمصلحة شخص ثالث بحيث يصبح هذا الأخير دائناً للملتزم أي للمتعهد بمقتضى العقد نفسه. 2. غير أن هذا التعاقد لمصلحة الغير مستقل وقائم بحد ذاته، بصرف النظر عن مصدر السبب الموجب لإلتزام المتعهد، وبصرف النظر عن السبب الذي حمل المعاقد على الإتفاق مع المتعهد لمصلحة شخص ثالث. ويضيف الدكتور مصطفى العوجي مستندًا إلى المادة 230 من قانون الموجبات والعقود: "وبالنظر لذاتية العقد فإنه لا يدخل ضمن ذمة المعاقد المالية ولا يخرج منها بل يخرج من ذمة المتعهد المالية لمصلحة المنتفع مباشرة". ويضيف مستنداً أيضًا إلى المادة عينها أنّ "(...) المنتفع يكتسب في التعاقد لمصلحة الغير حقه مباشرة من العقد قبل أن يعطي موافقته عليه، فحقه ينشأ مع إبرام العقد". 3. وعليه، يمكن تصوّر التطبيق التالي على دراستنا: تبرم الأم عقد فتح الحساب مع المصرف، بصفتها المعاقد، لمصلحة المنتفع القاصر، تحقيقًا لنية التبرع لديها فيخضع العقد إذذاك لنظام الهبة القانوني لجهة الأساس والموضوع وليس لجهة الشكل مع ما تشترطه من سبب متّفق مع النظام العام والآداب العامة. فقد نصت المادة 229 من قانون الموجبات والعقود على أن "التعاقد لمصحلة الغير لا يستوجب سوى الإنطباق على قواعد الصيغ المطلوبة لصحة الإتفاق الذي أدمج فيه، فهو إذًا لا يخضع لصيغ الهبة بين الأحياء وإن يكن تبرعًا محضًا للشخص الثالث المستفيد." وعليه فإن تخصيص الأم ولدها القاصر بجزء من أموالها المنقولة أو نقودها تحقيقاً لمصلحته المالية المحض وتأمينًا لمستقبله، ينسجم مع أحكام القوانين والأنظمة العامة ولا يخالفها. أمّا بالنسبة الى المصرف المتعهد، فيكون ملتزماً بموجب عقد فتح الحساب بأن يدفع مبلغاً من المال للمنتفع الذي يحدده المعاقد. وأمّا بالنسبة الى المنتفع، فمن جهة أولى، يجوز أن يكون مسمّى في العقد أو يكون غير مسمّى بشرط أن يكون قابلاً للتحديد، وإن مستقبلاً، إستناداً للمادة 228 من القانون الآنف الذكر. ومن جهة ثانية، إن المنتفع القاصر يبقى خارج إطار العقد الجاري بين المتعهد (المصرف) والمعاقد (الأم). وتالياً لا يرتب عليه جرّاء هذا العقد أي موجب أو شرط أو تكليف تماشياّ مع المبدأ القائل بأن المنتفع القاصر متلقٍ لحق دون إلزام عليه بشيء. ويعود الى المنتفع القبول بالعقد أو رفضه كما يمكن أن يحصل القبول في مرحلة لاحقة لتاريخ إبرام العقد. ويعود للقاصر قانوناً كامل الحق بقبول الهبة المجانية بنفسه متى كانت تصبّ محضاً في مصلحته. والحجَّة على ذلك هي: أولاً: الحجَّة المعاكسة لنص المادة 517 من قانون الموجبات والعقود12 حيث أن ناقصي الأهلية بوسعهم التعاقد وقبول هبات غير مقيّدة بشرط أو تكليف دون ترخيص وليّهم أو وصيّهم. وثانيًا: الحجَّة المستَمدَّة من الإجتهاد13: "حيث يستفاد من المواد 516 و517 و520 موجبات وعقود إنه يجوز للصغير المميّز أن يقبل الهبة المجانيّة غير المقيّدة بشرط. وحيث أنّ الإجازة للصغير المميّز بقبول الهبة بنفسه على الوجه المبيّن أعلاه، (...)" لذلك، يعتبر الحساب الذي يستقبل النقود كوعاء لها، غير مخالف للنظام العام والآداب العامة، على اعتبار أن الأم تعمل في مصلحة ولدها القاصر المميّز الذي يقبل الهبة النقدية على اعتبار أنها غير مقيّدة بشرط أو مثقلة بأعباء. وعليه، ننتقل إلى اقتراح العقد الإئتماني على اعتبار أنه يوفر الآلية الأكثر فاعلية وملاءمة لفتح حساب من الأم لولدها القاصر حيث أن لهذا العقد وجهين: الأول، في أنه عقد وكالة بين المنشئ والمؤتمن، والثاني، في أنه من باب التعاقد لمصلحة الغير بين المنشئ والمستفيد وتالياً يستفيد من الحجج والقواعد القانونية المنبثقة عن التعاقد لمصلحة الغير المبسوطة أعلاه والتي لا لزوم لتكرارها في ما يلي. الإقتراح الثاني: العقد الإئتماني: عَرِفَت المصارف اللبنانية الحساب الإئتمانيّ14 قبل أن ينظمه المشرّع بالقانون رقم /520/ تاريخ 6/6/1996 على غرار التشريعات الحديثة الأجنبيّة كالنظام اللوكسمبورغيّ المعدل بموجب القانون تاريخ 27/7/2003 والقرار الإجرائي للقانون السويسريّ الصادر في 17/5/1972 والقانون الفرنسي رقم 211/2007 تاريخ 19/2/2007 وقانون النقد والقرض الجزائريّ رقم 90/10. وقد عرّف القانون اللبنانيّ السالف الذكر، في المادة الثالثة منه، عقد الإئتمان بأنه "عقد يولي بموجبه شخص طبيعيّ أو معنويّ، يدعى المنشئ شخصاً معنويّاً يدعى المؤتمن حق الإدارة والتصرف لأجل محدد بحقوق أو بأموال منقولة تدعى الذمة المالية". وتصدّى الفقه إلى تعريف الإئتمانية، فعرّفها إيف موفور (Jean-Yves Montfort) بأنها "الإتفاقية التي ينقل بموجبها المنشئ إلى شخص آخر هو المؤتمن حقوقًا وأشياءً مع تكليف هذا الأخير مهمة حفظ هذه الأشياء وإدارتها لمصلحة المنشئ ووفقاً لتوجيهاته والالتزام بردّها إلى هذا الأخير عند نهاية العلاقة الإئتمانية". وعرّفها كلود ويتز (Claude Witz) بأنها " التصرف القانونيّ الذي يلتزم بموجبه شخص هو المؤتمن بعد صيرورته صاحب حق في الذمة المالية للمنشئ، بعدد من الالتزامات يرد من بينها عادة التزام بنقل الحق المذكور، بعد مضيّ بعض الوقت إمّا إلى المنشئ أو إلى الغير"15. كما وعرّف دانيال غوغنهايم (Daniel Guggenheim)التصرف الإئتمانيّ من وجهة نظر القانون المدنيّ، بأنّه "التصرف الذي ينقل بموجبه شخص يدعى المنشئ إلى شخص آخر يدعى المؤتمن حقوقاً فيلتزم هذا الأخير بممارستها بإسمه الشخصيّ ولكن وفقاً لتعليمات أو توجيهات المنشئ وبإعادتها إلى هذا الأخير أو إلى شخص ثالث سواه عند إنتهاء العلاقة الإئتمانية"16. ويشير الدكتور ملحم الكك17 بحقّ إلى أن تعريف العقد الإئتماني الوارد في المادة 3 من القانون رقم 520/96 لا يعطي الصورة الحقيقية لأشكال العقد الإئتماني إذ يجوز أن يكون العقد ثلاثي الأطراف فينضمّ إلى المؤتمن والمنشئ، مستفيدٌ. فتكون الإئتمانية عملية ثلاثية الهيكلية. كما أنه لا يُطبَّق على العلاقة الثلاثية إلاّ أحكام العقود الإئتمانية وتالياً ينظر إليها فقط من ناحية ذمة مالية مسلَّمة على سبيل الإئتمان. إنما تدعو هذه العلاقة أيضاً إلى تطبيق نظرية التعاقد لمصلحة الغير، ويشكّل تالياً تكوين الذمة الإئتمانية لحساب شخص ثالث أساساً للتبرع الذي لا يخضع لأحكام وشروط قانون الإرث. وقد سطّر الفقهاء أهمية العقد الإئتمانيّ وأهدافه وفوائده، فالإئتمانية "من شأنها أن تلبّي حاجات قانونية متعددة في العصر الحديث، ليس بمقدور الأنظمة القانونية المعروفة في مجال القانون المدنيّ أو التجاريّ القيام بها. ومما
لا شك فيه، وانطلاقاً من هذا المفهوم، أن العقد الإئتماني من شأنه أن يؤدّي خدمات مفيدة جداً سواء على الصعيد الفرديّ أو على الصعيد الإقتصاديّ بشكل عام" (...). وقد "يكون الهدف من العقد الإئتماني هو أعمال البرّ والتبرّع بأدوات تَقصُر عن تحقيقها الأدوات القانونيّة الأخرى كما هو الأمر عندما يستهدف المنشىء مصلحة لأحد خلفائه" (...)18، كما قد يكون الهدف من العقد الإئتماني "تحضير ذمة مالية وتخصيصها لقاصرين، إلى حين بلوغهم سن الرشد أو سناً معيناً (...) أما في لبنان، حيث السرية المصرفية مطلقة، فإن الإئتمانية المصرفية المعطوفة على تلك السرية يمكن أن تؤدي إلى التهرب من قوانين إلزامية متعددة، ومتصلة بنواحٍ متنوعة من الميادين الضريبية والإجرائية والعقارية، نذكر منها على سبيل المثال: التهرب من إخضاع أعمال التبرع لضوابط قانونية معيّنة."19 وهو ما نحن في صدده بموجب الدراسة الحاضرة. يستخلص من التعريفات الواردة آنفاً: أولا:ً بأن المنشئ ((Le fiduciant/The assignor in trust يسلّم إلى المؤتمن (Le fiduciaire/The trustee) أموالاً وحقوقاً منقولة بما فيها النقود، ثانيًا: بأنّ الأموال التي ينقلها المنشئ إلى المؤتمن تشكل ذمّة مالية تدار وفقاً لتوجيهات المنشئ، أي أن أحكام الوكالة تنظم علاقة المنشئ بالمؤتمن. وثالثًا: بأنّ المؤتمن يلتزم بإعادة الذمة المالية مع نتائجها عند حلول الأجل المحدد في العقد، إلى المنشئ أو إلى أي شخص آخر يعيّنه هذا الأخير في متن العقد، بحيث يُضحي المستفيد (المنشئ أو أي شخص ثالث معيّن) دائناً مباشراً للمؤتمن. ومن شروط العقد الإئتماني: أنّ الشروط العامة للعقد الإئتمانيّ هي الشروط التي تفرضها المبادئ العامة للإلتزام وهي أن يكون المنشئ متمتعاً بالأهلية اللازمة للتعاقد وتأدية الواجبات. فإذا كان شخصاً طبيعياً، كالأم، وجب أن يكون بلغ سنّ الرشد وأن يكون غير محجور عليه. أما المؤتمن فلا يكون إلاّ شخصاً معنوياً، وقد نظم القانون رقم 520/1996 والتعاميم الصادرة عن مصرف لبنان موضوع المؤسسات التي يحق لها مزاولة العمليات الإئتمانية. وبصورة خاصة فقد أَوْلت هذه النصوص المصارف حق ممارسة العمليات الإئتمانية وأعطتها حق إكتساب صفة المؤتمن لابل أنَّه لا يحق إلاّ للمصارف والمؤسسات المالية المسجلة لدى مصرف لبنان أن تتخذ صفة المؤتمن وأن تقوم بعمليات إئتمانية وفقاً لأحكام القانون. وأمّا بالنسبة إلى المستفيد فيكون، في حالتنا الحاضرة، القاصر المستفيد بمجرد بلوغه سنّ الرشد. وهذا الحساب الإئتماني يشكل بالنسبة إلى المؤتمن ذمة مالية مستقلة لا تقبل الحجز من قبل دائني المؤتمن الذين لا يحق لهم ممارسة أي حق عليها بسبب أي موجب لا يتعلق بها مباشرةً عملاً بأحكام المادة 9 من القانون رقم 520/1996. كما لا تطبق في شأنها أحكام ومفاعيل توقف المؤتمن عن الدفع أو إفلاسه باستثناء إسقاط الأجل التعاقديّ عملاً بأحكام المادة /10/ من القانون المذكور، ما يصب في مصلحة حماية ذمة القاصر المالية وتحقيق هدف الأم من وراء فتح حساب لولدها القاصر. إنّ الإئتمانية المصرفية معطوفة على السرية المصرفية يمكن أن تؤدي إلى التهرب من قوانين إلزامية متعددة، كمثل التهرب من آثار إعلان إفلاس المؤمِّن (المنشىء) على أمواله الخاصة، باعتبار أنّ الحساب الإئتماني يوفر غلافاً أو غطاءً يصعب خرقه لإخفاء الذمم المالية20. *** لذلك نقترح، وحفاظًا على حقوق القاصر المستفيد، أن يُفتح الحساب الإئتماني وفق الخطوات الإجرائية التالية: تنشئ الأم حساب وديعة ائتمانية بموجب عقد فتح الحساب الذي توقّعه مع المصرف. بتاريخ توقيع العقد، تعيّن الأم ولدها القاصر مستفيدًا من هذا الحساب الذي يتمتع بمزايا السرية المصرفية المرتبطة بهذا الحساب، مباشرةً وحكمًا، دون أن يكون له حقّ التصرُّف بالذمة الإئتمانية إلا بحلول الأجل المحدد ببلوغه سنّ الرشد، فيوقع الولد القاصر المميز على كتاب يفيد بقبول تعيينه كمستفيد من الحساب الدائن الصافي من الديون والأعباء والتكاليف، على أن يتم إبلاغ المصرف هذا الكتاب من قبل الأم. تسدد الأم مسبقًا مصاريف إنشاء العقد الإئتماني وأي عمولات أو أعباء إضافية ولاحقة قد تترتب على الحساب. يُعمل بالتعليمات موضوع العقد الإئتماني المصرفي المبرم بين المنشىء والمؤتمن بصورة غير قابلة للرجوع عنها (Irrevocable) طوال الفترة المتبقيّة لبلوغ القاصر سنّ الرشد، دون تخويل المصرف حق التصرف بالذمة الإئتمانية. إن تصورنا للعقد الحاضر لا يخالف أي قوانين أو أنظمة كما أنه ينطبق على أحكام القانون رقم 520/1996 وهو يصبّ في مصلحة القاصر المميّز الذي له: أن يستفيد من الذمّة الإئتمانية عند حلول أجلها ولو حصلت وفاة الأم قبل ذاك التاريخ وذلك إستناداً إلى أنّ علاقة المؤتَمن مع الغير أو فئة المستفدين من الذمّة الإئتمانية هي خاضعة كلياً لتعليمات المنشىء. 21 ومن هنا يُستخلص أنّه يمكن للأم أن تؤكد في العقد الإئتماني أنّ ولدها المعين كمستفيد يبقى هو المستفيد الوحيد حتّى ولو توفيت قبل حلول الأجل وقبل بلوغ ولده سن الرشد. كامل الحق بقبول الهبة المجانية بنفسه متى كانت تصبّ محضًا في مصلحته ولا ترتب عليه أي أعباء أو قيود أو تكاليف، كل ذلك إستنادًا إلى أحكام قانون الموجبات والعقود ولاسيما منه المواد 516 و517 و520. يراجع بهذا المعنى قرار محكمة إستئناف بيروت المدنية السادسة، رقم 1526 تاريخ 27/11/1972، حاتم ج.141، ص 53 و54، حيث جاء فيه: "وحيث يستفاد من المواد 516 و517 و520 موجبات وعقود إنه يجوز للصغير المميّز أن يقبل الهبة المجانيّة غير المقيّدة بشرط. وحيث أنّ الإجازة للصغير المميّز بقبول الهبة بنفسه على الوجه المبيّن أعلاه، (...)". وعليه، نرى أن في فتح الحساب الإئتماني على الشكل المحدد أعلاه حماية للعقد ولقانونيته وديمومته وحماية لمصلحة الولد المستفيد من هذا الحساب ولمصلحة والدته. إنّ ما سبق بيانه يتماشى مع نصوص قانون العقود الإئتمانية وفلسفته بحيث يكون للأم كامل الحق بإنشاء حساب إئتماني وتخصيص ولدها القاصر به وتسميته مستفيدًا منه دون أي قيد ودون حاجة لإعمال أحكام ولاية الأب الجبرية أو المساس بها. وعليه، فإن العقد الإئتماني هو الحلّ الأفضل في المرحلة الراهنة على اعتبار أنه يتيح للأم فتح حساب مصرفي لمصلحة ولدها القاصر دون التعرّض للولاية الجبرية وهذا ما يساعد في تحقيق خطوة نحو اكتساب المرأة حقوقها كإنسان مساوٍ للرجل، كل ذلك دون أن يعرّض هذا الإقتراح المصارف العاملة به للمساءلة. المحامي الدكتور بول مرقص JUSTICIABeirutConsult


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.