في خطوة جريئة، تعد الفريدة من نوعها على مستوى الجهات الحكومية، رفض ممثل رئاسة شؤون الحرمين الشريفين في منطقة مكةالمكرمة إلزام المحكمة الإدارية لهم بتحويل رواتب موظفي المسجد الحرام والمسجد النبوي إلى البنوك، باعتبار ذلك نوعاً من مساعدتهم على الوقوع في شراك الربا. بعض المراقبين الاقتصاديين اعتبروها خطوة صحيحة بحسب رؤية رئيس شؤون الحرمين الشريفين الشيخ صالح الحصين الذي يرى أن جميع البنوك (إسلامية، تقليدية) ربوية، وأن «المصرفية الإسلامية» أشد من الربا لأنها تتحايل، إلا أنهم طالبوا بتشكيل لجنة لإعادة النظر في فتوى هيئة كبار العلماء قبل أربعين عام في حرمة البنوك، إذ الأوضاع تغيرت عما هي عليه في السابق، كما طالب أحد الشرعيين بإنشاء بنك إسلامي توضع فيه الرواتب، يكون تحت مظلة الوزارة المالية لتجنب شوائب الربا. من جانبه، اعتبر الأكاديمي المختص في الشؤون الاقتصادية الشرعية حمزة السالم أن رأي الشيخ صالح الحصين صحيح، لأن قانون الدولة يرى أن الربا حرام، ويتفق مع رأي عامة كبار العلماء، ويفتح باباً جيداً لإعادة النظر في فتوى هيئة كبار العلماء قبل نحو أربعين عاماً (1393ه) في تحريم البنوك باعتبار أنها ربوية، مفيداً أن الحيثيات التي بني عليها التحريم زالت، لذا يتطلب من ولي الأمر أن يشكل لجنة لإعادة النظر بشكل موسع لا تقتصر على هيئة كبار العلماء فقط. وعلل مطالبته بإعادة النظر بأسباب ثلاثة: أولاً لأن حيثيات التحريم وهي أن البنوك مستودع للثروة ومقياس للقيم الآجلة ذهبت ولم تعد قائمة. ثانياً النظام الاقتصادي المالي تغير جملة وتفصيلاً بما يتوافق بالقول الآخر الذي يرى عدم ربوية الأموال النقدية وأن البنوك أقرب إلى الشريعة وإلى النصوص (صريح القرآن والسنة وأقوال أهل السلف مع عدم ربوية الأموال النقدية) ومقاصد الشريعة والوضع الاقتصادي الآن، واصفاً إياه بالمتوافق مع العقل والشرع. أما التعليل الثالث فهو ظهور الصيرفة الإسلامية التي يعدها السالم خطراً على النظام الاقتصادي لأنها مبنية على الحيل والتدليس، متهماً إياها بالإساءة إلى الإسلام والنظام الاقتصادي السعودي. من جانبه، أوضح العضو الخبير في مجمع الفقه الإسلامي الدولي الدكتور حسن محمد سفر الأصل في المعاملات المالية نقداً وبيعاً أن تجري بحسب العرف ما لم تصادم نصاً شرعياً أو تكون ذريعة للربا، ورأى أنه يمكن للدولة أن تسلّم رواتب العاملين والمواطنين لهم وفق ما تقتضيه الظروف والأحوال، مشيراً إلى أن الموظف في السابق يتسلم الراتب نقداً لكن المتطلبات الحالية والخشية من السطو على الخزانة المالية، جعل البنوك أسلم وأسرع في الصرف، وتسهم في الادخار، وهذا يندرج ضمن العادات التي لا تصطدم بمحرم كالربا والغش. وأضاف: «الدولة في الإسلام تضع تنظيماً يقوم على مصلحة رعاياها وفق المصلحة، وابن القيم ذكر أنه متى ما تمت المصلحة فثم شرع الله»، ولفت إلى أن البنك ليس معتمداً فقط على الرواتب، إذ توجد مضاربات أخرى، مستنكراً القول أن كل البنوك تتعامل بالربا. وكانت المحكمة الإدارية أصدرت حكماً يلزم رئاسة شؤون الحرمين بتحويل رواتب الموظفين الذي يعملون في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف إلى أي بنك محلي يرغب فيه الموظف. وفي ال 19 من ذي القعدة الجاري ينطق القاضي بالحكم النهائي في القضية. وقال وكيل موظفي رئاسة شؤون الحرمين إن الأوراق الخاصة بالقضية قدمت للقاضي وهي تستند إلى الأنظمة والقوانين التي تكفل لجميع الموظفين الحكوميين حقوقهم ومنها تحويل رواتبهم إلى البنوك، مشيراً إلى أن وجود عدد من الجهات الشرعية السعودية تحول رواتب موظفيها إلى البنوك كالشؤون الإسلامية وهيئة كبار العلماء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقال: «لو كان هناك حرج شرعي في هذا الأمر لكان الأولى أن يرفضه العلماء والمشائخ، وكان عدد من موظفي الرئاسة طالبوا بتحويل رواتبهم إلى البنوك المحلية حتى لا يحرموا الامتيازات التي تقدمها البنوك للموظفين».