حيّرني موقف الشاعر زكريا محمد من زيارة الممثّلة التونسية هند صبري مناطق السّلطة الفلسطينية، فالمقالة بالغة الغضب التي كتبها ونشرها في مواقع الكترونية كثيرة حملت إلى الغضب والانفعال دعوة مباشرة للكتّاب والفنانين والمثقفين العرب بعدم زيارة مناطق السلطة الفلسطينية. هي دعوة تنطلق بحسب زكريا من موقف سياسي «يرفض التطبيع» مع الاحتلال باعتبار الزيارة بمثابة اعتراف بالمحتل! ما حيّرني وأثار استغرابي فعلاً هو أن الرّفض – ودون أن يقصد زكريا – يضمر تسليماً بأن مناطق السّلطة هي «مناطق إسرائيلية» لا تجوز زيارتها وإلا وقع الزائر في محذور التطبيع السيِّئ الذّكر. سأتساءل هنا ببساطة: هل نحن الشعب الوحيد في الكوكب الأرضي الذي وقع وبلاده في براثن الاحتلال؟ باعتبار الجواب بديهي، سأتبع سؤالي السّابق بسؤال آخر: لماذا يخلط زكريا محمد بين الأرض الفلسطينية المحتلّة وبين السّلطة التي نرى من حقّه ألا يحبّها او يرفضها؟ تنطلق الدعوة للمقاطعة من هاجس وطني برفض التطبيع، وهذا لا نشك فيه مثلما لا نشك في نيات زكريا، ولكننا مع ذلك نتساءل: هل تخدم قضية طرد الاحتلال مقاطعة الكتاب والفنانين والمثقفين للمناطق الفلسطينية، وإضافة جدار عازل آخر يكون عربيّا هذه المرّة؟ لا أختلف مع زكريا محمد في توصيفه لانحدار الحالة الفلسطينية ووصولها دركات من السّوء والتخبّط لم تبلغها من قبل، ما يدفعه ربما إلى التوجّس من أي شيء، ومع ذلك فالمسألة بالغة البساطة: علينا أن نفرّق بالتأكيد بين زيارة المدن الفلسطينية والالتقاء بأدباء وفناني فلسطين، وبين زيارة إسرائيل، وإن لم يجد الزميل زكريا فرقاً بين الحالتين فسنبدأ في الخلاف فعلاً. أما التطبيع فتلك مقولة أعتقد أنها تحتاج إلى تحديد المقصود منها: مع توقيع اتفاق أوسلو كتبت تعريفاً للتطبيع لا أزال أراه صالحاً للحكم على المواقف: التطبيع هو أي تصرّف أو موقف سياسي أو فكري يوافق على التفسير الصّهيوني للصّراع العربي الإسرائيلي. أقول ذلك وقد اختلطت الأمور ودخل شعبان في رمضان حتى صارت قراءة نص عبري تطبيعاً في رأي البعض، وحتى أن كثراً من «مقاومي التطبيع» اعتبروا كتاب وفناني الجليل «إسرائيليين» يتوجّب منعهم من زيارة البلدان العربية، بل واعتبار أفلامهم وكتبهم نتاجات إسرائيلية لا يجوز السّماح بها، وكلّ ذلك تحت ذريعة ساذجة هي أنهم يحملون جواز سفر إسرائيلي، دون أن ينتبه كل أولئك إلى أن الذين يحملون ذلك الجواز ليسوا كتاب وفناني الجليل والمثلث والنقب وحسب، ولكن أيضاً وأساساً هناك مليون ونصف المليون من المواطنين الفلسطينيين من الذين لم يغادروا وطنهم عند وقوع نكبتنا عام 1948. أعتقد أن المسألة ليست بالتبسيط الذي يعلنه زكريا محّمد، فالمسؤولية تفترض رؤية واضحة ومحدّدة ترى الواقع، تتعامل معه، ولا تعترف أو تسلّم به. المحزن في غضب زكريا أنه يدعو ببراءة إلى تطويق الفلسطينيين بحصار عربي هو موجود أصلاً، وتمارسه الحكومات العربية بوعي ودراية، ولا يحتاج دعوة جديدة لضبطه ومنع الخروج عليه. * كاتب فلسطيني