«تعودتُ على محاربة الجميع منذ كان عمري 15 سنة، وأنا الآن في ال48 ولا أزال مستعداً لخوض المعارك التي ستقف في وجهي. تريدون موتي وأنا لن أموت، وسأدهسكم يا أولاد الإعلام الرديء!»...«تهديدات» وجهها المدرب دييغو أرماندو مارادونا الى منتقديه من الصحافيين، في «عزّ» أزمة المنتخب الأرجنتيني قبل نحو ثلاثة أسابيع عندما كان ينشد التأهل لنهائيات كأس العالم، وبدا وضعه حرجاً. ورفع «الأسطورة» من وتيرة حملته المضادة ب«تسديده» توجيهه ألفاظاً «من تحت الحزام» الى الجسم الإعلامي عقب التأهل بإسقاط أوروغواي على أرضها بهدف من دون ردّ. فوز هو الأول لل«ألبي سيلستي» في مونتيفيديو منذ عام 1976، والأول له خارج أرضه في تصفيات مونديال 2010. «ميّز» مارادونا نفسه سلباً عقب الفوز، وحوّل الاهتمام عن «إنجاز» انتصار الأرجنتين إلى الانشغال بمعالجة تبعات شتمه الصحافيين، الذين لم يرحموه أساساً، علماً أن خياراته الفنية غير المبررة في أحيان كثيرة، كانت ملهمة لهجومهم على «المدلل»، والذي تعود بداية حربه المستعرة معهم إلى أيام احترافه مع نابولي الإيطالي عام 1987. ومتتبعو أحوال «منتخب التانغو» يتذكرون الحملات ل«إقصاء مارادونا»، التي حمل لواءها أشد معرضي اختياره المعلّق ريكي بورلاس منذ تعيينه قبل أقل من عام بدلاً من ألفيو باسيلي، اذ كتب منذ نحو شهر «لن أفاجأ إذا فشلنا في التأهل. نحن بلد نملك خيرة اللاعبين الموهوبين، والجميع يحسدنا عليهم، ومع ذلك نحن غير قادرين على الفوز على بلدان أدنى منا مستوى وتاريخاً كروياً! لقد حان الوقت لنقولها علناً: أزيحوا مارادونا فهو مدرب فاشل». وعكست هذه الصرخة آراء محللين كثر كانوا أيضاً من البداية، غير مرتاحين لتسمية مارادونا في هذه المرحلة الحرجة من التصفيات، وإذ بهم جميعاً يتابعون تقهقر المنتخب ودخوله مرحلة الخطر الشديد. ولا يخشى بورلاس لسان مارادونا السليط، كونه الوحيد الذي يتجرأ وينتقده إذ لا يرغب أبداً بالحصول على مقابلات معه. وهذا السلاح الذي يستعمله مارادونا ضد منتقديه من الإعلاميين، فيمتنع عن الإجابة على أسئلتهم في المقابلات الصحافية. ويعنّفهم مرات مذكّراً إياهم بمواقف سابقة وأحكام وآراء أطلقوها بحقه! ويصف بورلاس مارادونا ب«هاوٍ»، «والهزائم التي تلقيناها بعد الفوز على فرنسا وأسكتلندا ودياً وعلى فنزويلا في مستهل التصفيات، هي خير دليل على مستوى المنتخب». وزاد: «لو كان الفنزويليون أصحاب خبرة لكانوا ألحقوا بنا الخسارة، لكن الله أسعفنا ولعبنا مع هؤلاء المساكين في البداية»... في المقابل، زاد غضب مارادونا من سهام الصحافة خصوصاً بعدما دخل منتخبه مرحلة الخطر الشديد. «سأحارب الجميع، يريدونني أن أموت، ولكني سأحطمهم وخصوصاً الإعلاميين القذرين، وسنتأهل الى النهائيات، وسنحرز كأس العالم!»، عبارات ممجوجة اعتاد أهل الصحافة سماعها منه. لكن بورلاس يلفت الى أن «الناس تعبوا منه، انهم يحترمون تاريخه، لكنهم تعبوا من تفسيراته غير المنطقية. كل همه هو الصراخ واتهام الآخرين في حين أن المطلوب هو إعادة النظر في تركيبة المنتخب والخطط المناسبة له بدل الالتهاء بالكلام الفارغ والمثاليات الأخلاقية». حقل اختبارات عموماً، تركزت معظم انتقادات المحللين، على تركيبة المنتخب المفككة أصلاً، «إذ نرى مارادونا متكلاً على المهاجمين بالدرجة الأولى، خصوصاً على الثلاثي ليونيل ميسي وسيرجيو أغويرو وكارلوس تيفيز، متناسياً خطي الوسط والدفاع اللذين ظهرا في شكل مأسوي خلال مرات كثيرة». ويوضح انريكي كافيللو: «المدرب الذكي هو المدرب الذي يبني فريقه في الشكل الطبيعي: من تحت إلى فوق، أي خط الدفاع، فالوسط، ثم الهجوم. مارادونا اكتفى بخط الهجوم، والناظر إلى تشكيلة المنتخب يلاحظ حتماً غياب الأشخاص المناسبين في المكان المناسب، بدءاً من خط الوسط مع إصرار مارادونا على تسليمه للمخضرم خوان سيباستيان فيرون (34 سنة) الذي وعلى رغم موهبته التقنية، غير قادر على مجاراة سرعة اللاعبين الشباب، ما يؤثر في فعالية خط الوسط الدفاعية. من جهة ثانية يقوم مارادونا بخيارات مفاجئة ومذهلة، كاستدعائه المهاجم مارتن باليرمو الذي لم يلعب مع الأرجنتين منذ عام 2000، أو إشراكه المدافع رولاندو سكيافي لاعب نيوويلز أولد بويز (36 سنة) في المباريات المصيرية الأخيرة، علماً بأنه لم يسبق أن لعب أبداً مع المنتخب! ومنذ تسلمه مهماته، جرّب مارادونا أكثر من 60 لاعباً من دون أن يتمكن من تشكيل نواة فاعلة، والأسوأ من ذلك أن خط الدفاع عنده يتعرض للتغيير في كل مباراة، وهذا أمر بالغ الخطورة». يذكّر بولارس أن «مارادونا شخص له مزاجه الخاص القريب إلى التسلط والتفرد بالقرارات، ولهذا نراه وحيداً على مقعد الجهاز الفني لأنه يرفض تعيين مساعد له، حتى يبقى صاحب الكلمة الأخيرة». وبدت ملامح التسلط واضحة عندما أجّل مارادونا طويلاً استدعاء نجم ريال مدريد غونزالو هيغوين، صاحب 22 إصابة في الدوري الإسباني الماضي، على رغم الحملات الإعلامية لدعمه وعلى رغم السقم الهجومي الذي عانى منه على خلفية أن مشاركة هيغوين ستكون مكان سيرجيو أغويرو زوج ابنته! وبالتالي لم يجد هيغوين فرصته إلا في مباراتي «المخاض العسير» أمام بيرو وأوروغواي، التي خرج منهما المنتخب فائزاً وكرر الملك حملته العنيفة على الصحافيين بحجة أنهم عاملوه «كأنني نفاية».