يتصنّع «المبشر» الأميركي «توود» ابتسامة المحبة، وهو يلاطف المارة في «إدجوار رود» الشارع التجاري الشهير وسط لندن، الذي يزدحم بالمبتعثين الخليجيين علّهم يقبلون هديته المجانية التي ليست الا نسخة من الإنجيل. ولا يكترث لرفض غالبية المارة بضاعته الدينية، فهو يعرف أنه في إدجوار رود الذي يتجمع فيه الخليجيون والعرب في عاصمة الضباب. يعاود «توود» المحاولة دون كلل مع اقتراب كل متسوق نحو الرصيف الذي يقف عليه والمطل على حديقة «الهايد بارك»، وتفصل «الإدجوار» عن شارع «أكسفورد» التجاري الآخر والمزدحم على الدوام، «البعض القليل يقبل هديتي، وهذا يكفيني». هكذا رد حينما سألته «الحياة». «توود» الذي يعمل مدرباً لكرة السلة في الولاياتالمتحدة هو واحد من متطوعين كثر يزيدون على العشرة في الشارع نفسه. ويرتدي بعضهم فانيلات خضراء كتب عليها باللغة العربية «دي في دي مجاناً»، فيما يظهر آخرون في زي رسمي بكامل أناقتهم. وينفي «توود» استهداف الطلاب السعوديين الموجودين بكثرة في الشارع خلال عطلة نهاية الأسبوع، لافتاً إلى أن جل من يظهر بأنهم سعوديون بحسب «توود» ليس عندهم أي فضول للتعرّف على المسيحية فهم «لا يقبلون اخذ نسخة من الإنجيل في الغالب». وأضاف: «لا نستهدف احداً بعينه، ولكننا اليوم في شارع العرب ونحمل نسخاً عربية من الإنجيل، ولا يعني هذا انها النسخ الوحيدة التي نوزعها، فنحن نختار لغة الانجيل تبعاً للمكان، فلدينا نسخ من الانجيل بجميع لغات العالم»، لافتاً إلى أنه «مبشر غير محترف»، ولا يلقى دعماً من منظمة، بل إن صديقاً اعطاه هذه النسخ من الإنجيل، ولم يجد حرجاً في التطوع وتحمّل عناء توزيعها. وغير بعيد عن زاوية توود، يعلو صوت شابة شرقية الملامح ترتدي الحجاب وعباءة سوداء، وهي تناقش مبشراً مسناً عرض عليها نسخة من الإنجيل، إلا أنها لم تكتفِ برفض عرضه، بل فضلت مناقشته ومقارعته بالحجة. وتخاطب الفتاة المبشر الكهل بلغة انكليزية متقنة وواثقة بقولها: «الانجيل الذي تروّج له محرف، واشترك في تأليفه 55 شخصاً، كيف يمكن ان يكون هذا كتاباً مقدساً او منسوباً لله؟!»، إلا أنه يبدو معترفاً بحجتها ولا يرى فيها حرجاً، ويدعوها إلى «سبيكرز كورنر» - (زاوية المتحدثين) في الهايد بارك، حيث ستجدين نخبة من الرجال المتدينين المجتمعين للإجابة على تساؤلاتك. الفتاة اسمها صوفيا وهي افغانية تدرس الإدارة، أكدت ل «الحياة»، أنها ألفت مشاهدة هؤلاء المبشرين طوال السنين التي أمضتها في لندن، وتهوى مجادلتهم، فهم يتحدثون دون منطق على حد قولها، مشيرة إلى أن الإسلام يحترم المسيحية. وتحوي هدية المبشرين كتاب و«دي في دي» وكلاهما باللغة العربية. فالكتاب بحجم اليد وأخضر اللون، ويقع في 709 صفحات، وتمت ترجمته وطباعته في إحدى دور النشر في لبنان.