هل سيكشف فريديريكو غارسيا لوركا النقاب عن سرّه خارج قبره؟ لا أحد يعلم إن كانت ستُكشف ظروف وفاته في اللحظة التي سيتمّ فيها فتح «الحفرة» التي تضمّ كما يظن البعض رفات الشاعر الإسباني منذ فجر يوم 19 تموز (يوليو) 1936، إضافةً إلى رفات عدد من الضحايا الثوّار الذين قتلوا في عهد فرانكو. هل تمّ فعلاً دفن رفات المفقود الأشهر خلال الحرب الأهلية الإسبانية التي امتدت بين عام 1936 وعام 1939 في حقل ألفاكار، وهي بلدة صغيرة تقع على مقربة من غرناطة، الى جانب شجرة زيتون على بعد عشرات الأمتار من الطريق الرئيسة بحسب ما أعلن مانويل كاستيا أحد «الحفارين» منذ عام 1955؟ هل سيسمح تحليل العظام بمعرفة ما إذا تمّ تعذيب الشاعر الكبير ورفاقه السيئي الحظ قبل قتلهم؟ نظرياً، يجب أن تضع عملية نبش القبر المتوقع أن تجريها حكومة الأندلس الإقليمية في نهاية شهر تشرين الأول (أكتوبر) نهايةً لنحو ربع قرن من التكهنات والفرضيات والأساطير حول النهاية المأسوية لهذا الرجل العظيم. وعلى رغم التحقيقات الدقيقة وربما الحصرية التي أجراها الباحث الأميركي من أصل إسباني أغوسطين بينون في الخمسينات ومن ثمّ إيان غيبسون وهو أفضل من كتب سيرة حياة غارسيا حتى اليوم، فإن غياب التأكيدات أطلق العنان للمخيّلات. ثمة مقولة مفادها أن غارسيا لوركا نجا من عملية الإعدام وأمضى حياته بعد أن فقد ذاكرته وصوابه في الدير حتى وفاته عام 1954. وتقول نظرية أخرى أنه تمّ انتشال جثمان الشاعر سريعاً ونُقل إلى المنزل العائلي وهو لا يزال راقداً في باحة المنزل - المتحف في غرناطة تحت شجرة جوز زُرعت عند وفاته. وأخيراً، اعتبر بعض الباحثين أن رفاته نقلت مع تلك التي نقلها عملاء فرانكو إلى مقبرة ضحايا عهد فرانكو في وادي الشهداء شمال مدريد. وكانت عائلة لوركا نفت هذه القصص وعارضت فتح الحفرة في ألفاكار. ولكن سيتمّ فتحها في ظلّ قانون حول الذاكرة التاريخية تمّ التصويت عليه عام 2007 بناءً على طلب متحدرين من سلالة الشاعر والثائرين الذين يُقال أنهم دفنوا مع الشاعر. ومعروف أن لوركا ملك للعالم بأكمله لا سيما أنه أراد أن يكون عالمياً وأن يؤثّر في الناس ولعله كان ليثور في وجه عائلته لو كان قادراً على ذلك. فجلّ ما يريده قراؤه والمعجبون به هو معرفة كيفية وفاته. وافق ورثة غارسيا لوركا الذين عارضوا في البداية التعرّف إلى الرفات على إعطاء عيّنات من حمضهم النووي حين يصبح «الوقت مناسباً لذلك». وتقضي الآلية التي وضعتها السلطات الأندلسية بأن يتمّ نقل الرفات التي لم يتمّ التعرف إليها إلى المقبرة الأقرب. غير أن مانويل فرنانديز مونتيسينوس وهو ابن الأخ الأصغر للشاعر اعتبر هذه المقاربة غير مقبولة فأعلن باسم الورثة: «في حال تمّ تحديد موقع رفات فريديريكو، فنريد أن تبقى في مكانها حيث ترقد منذ ستين عاماً، ويعتبر ذلك أفضل مبادرة نقوم بها لتخليد ذكرى ما حدث هناك». لكن حكومة الأندلس رفضت «ملايين المطالب» التي تقدّمت بها الجامعات الأجنبية لحضور عملية نبش القبر. وسيقوم فريق عمل صغير بتنفيذ ذلك تحت خيمة تنصب فوق القبر تكون جوانبها داكنة. ويجب أن يوقّع كل عضو منهم على «عقد الحفاظ على السرية». ولن تعلن السلطات المعطيات إلا في حال رغبت العائلة في حصول ذلك. وأكّدت وزيرة العدل في الأندلس بيغونا ألفاريز انها طلبت منهم القيام بأكبر تضحية يمكن أن يقدّمها عالم وهو التزام الصمت. وبالتالي يمكن أن يفرح كلّ الذين يريدون أن تحيا أسطورة لوركا وكلّ الذين يرغبون في التمسك بالأسئلة من دون أجوبة، والمذكورة في الصفحات الألف والثلاثمئة التي كتبها أغوسطين بينون نتيجة عام ونصف عام من التحقيقات وقد عمل عليها كثيراً إيان غيبسون. غير أن هذا الأخير لا يفقد الأمل فيقول: «لن تدوم ضرورة توخّي السرية طويلاً». لكن هل نسي هذا العالم بأعمال فريديركو غارسيا لوركا الأسطر الشعرية الآتية التي صدرت عام 1921 بعنوان «الحدس»: «لبس الماضي درعه الحديد وسدّ أذنيه بقطن الهواء. لن نتمكن يوماً من اكتشاف سره».