ثأر «حزب الله» من إسرائيل لعملية القنيطرة بتنفيذ عملية ضد موكب إسرائيلي في منطقة مزارع شبعا اللبنانيةالمحتلة، أدت الى مقتل جنديين اسرائيليين أحدهما ضابط، وجرح 7 آخرين، في تطوّر كرّس مرحلة جديدة من المواجهة بين إسرائيل من جهة وإيران و «حزب الله» من جهة ثانية، بعد الغارة الإسرائيلية على موكب للحزب في منطقة الجولان السورية في 18 الجاري، أدت الى مقتل 6 من عناصر الحزب بينهم قياديان، وضابط للحرس الثوري الإيراني برتبة عميد. وفيما جاء رد «حزب الله» ليؤكد تحول الجولان والمناطق السورية المحاذية له والجنوب اللبناني الى جبهة موحدة في هذه المواجهة، فإن شبح الحرب خيّم على هاتين الجبهتين أمس، ما أطلق مروحة اتصالات دولية مكثفة لتفادي محاذير انفلات الأمور وآثارها التدميرية على جانبي الحدود، لا سيما على لبنان، خصوصاً أن المدفعية الإسرائيلية قصفت عدداً من القرى الحدودية اللبنانية بعد العملية لتتوقف زهاء الثانية والنصف بعد الظهر. (للمزيد) وفيما أدى القصف الإسرائيلي الذي أعقب العملية الى إصابة جندي إسباني في عداد قوات الأممالمتحدة المرابطة في الجنوب، توفي لاحقاً متأثراً بجروحه، توعّد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو بالرد بقوة على العملية، مذكراً بما حل بقطاع غزة في حربه الأخيرة عليها قبل أشهر. وقال إن المسؤولين عن العملية سيدفعون الثمن. وتبنى «حزب الله» العملية التي قال إنها استهدفت عند الساعة 11.25 قبل الظهر، موكباً إسرائيلياً من عدد من الآليات، بالأسلحة الصاروخية، في بيان عنوانه «بيان رقم (1)». وأشار الى أن مجموعة «شهداء القنيطرة الأبرار» نفذتها، فيما ذكرت معلومات إسرائيلية أن الموكب المستهدف مؤلف من 9 مركبات. واعتبرت مصادر إعلامية مقربة من الحزب، أن اختيار منطقة تقع في نطاق مزارع شبعا المحتلة التي تطالب السلطات اللبنانية بانسحاب إسرائيل منها، باعتبارها لبنانية، هو اختيار دقيق، على رغم أن إسرائيل تعتبرها سورية تابعة للجولان المحتل، مقابل تأكيد الحزب أن لبنانيتها تجعل من عملياته فيها مشروعة، بينما ينص القرار الدولي 1701 الذي أوقف العمليات العدائية عام 2006، على السعي لإيجاد حل لها عبر ترسيم الحدود بين لبنان وسورية، كونها أرضاً متنازعاً عليها. وأعلنت قيادة قوات»يونيفيل» أن الأخيرة لحظت «إطلاق 6 صواريخ نحو إسرائيل من محيط منطقة الوزاني» وأن الجيش الإسرائيلي رد بنيران المدفعية. وإذ أشار بيان ل «يونيفيل» الى أن قائدها اللواء لوتشيانو بورتولانو «دان بشدة هذا الخرق الخطير للقرار 1701»، أوضح أنه ما زال يجري اتصالات متواصلة مع الطرفين لحثهما على الحفاظ على أقصى درجات ضبط النفس، وأن «يونيفيل» باشرت التحقيق لتحديد وقائع الحادثة وحيثياتها. وسجلت «يونيفيل» تبادلاً للقصف بين جانبي الحدود. وشملت ردود الفعل الإسرائيلية تهديد وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني بأن «على إيران و حزب الله أن يعِيا أن رد إسرائيل على استهداف الجيش أو المدنيين سيكون صارماً». وفيما قال مصدر إسرائيلي إن 3 من الصواريخ التي أطلقت أصابت الموكب الإسرائيلي في مزارع شبعا، نقل مراسلو الوكالات الأجنبية عن مدنيين في القسم الذي تحتله إسرائيل في بلدة الغجر، أن منازل تضررت جراء القصف المتبادل، وأن بعض المواطنين أصيبوا بجروح من شظايا القصف الذي أعقب العملية. وساد القلق والترقب جانبي الحدود، وفي المستوطنات الإسرائيلية، وفي منطقة العرقوب الحدودية، حيث تراجعت الحركة خوفاً من حرب جديدة. وبلغ القلق والحذر منطقة بيروت وضاحيتها الجنوبية، حيث تراجعت الحركة بعدما حصل إطلاق نار في الهواء من مناصري «حزب الله» ابتهاجاً بالعملية، لكن محازبي الحزب نظموا في المنطقة الحدودية مساء مسيرات سيارة وعلى الدراجات رافعين رايات الحزب ابتهاجاً. وأجرى رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام سلسلة اتصالات عقب العملية شملت رئيس البرلمان نبيه بري، وقالت مصادر مطلعة إنهما ناقشا دعوة «حزب الله» إلى الاكتفاء بما حصل وعدم توسيع نطاق المواجهة وجرّ البلد الى حرب جديدة. وأجرى بري بدوره اتصالات مع قيادة الحزب. وطالب سلام السفير الأميركي ديفيد هيل بأن تتدخل بلاده لدى إسرائيل لكبح جماح قيادتها عن توسيع رقعة المواجهة. وعلمت «الحياة» أن السفير هيل أبلغ سلام أن واشنطن طالبت تل أبيب بضبط النفس وعدم تصعيد الموقف. وبينما أوضحت مصادر مطلعة أن بعض الديبلوماسيين المعنيين بلجم أي اندفاع إسرائيلي أبلغوا الجانب اللبناني أنه يصعب تقدير مدى التزام نتانياهو بنصائح التهدئة، فإن حكومة الأخير أبلغت مجلس الأمن أمس، أنها «ستمارس حقها في الدفاع عن النفس وتتخذ كل الإجراءات الممكنة لحماية سكانها». (رويترز) ودعا سفير إسرائيل رون بروسور، المجلس الى إدانة «حزب الله» علناً وبوضوح، وطالب بنزع أسلحة «حزب الله» وتطبيق لبنان التزاماته بموجب قرارات الأممالمتحدة. إلا أن الرئيس سلام عبّر في بيان عن قلقه من «النيات العدوانية للمسؤولين الإسرائيليين»، معتبراً أن التصعيد الإسرائيلي بعد العملية يفتح الباب أمام احتمالات خطيرة. وأكد تمسك لبنان بالقرار 1701 بكل مندرجاته، مطالباً الأسرة الدولية بكبح أي نزعة إسرائيلية للمقامرة بالأمن والاستقرار في المنطقة. ودان مسؤول في الخارجية الأميركية ما وصفه ب «اعتداء حزب الله على قوات إسرائيلية»، معتبراً أنه خرق للقرار 1701، وانتقد «تحريض حزب الله على العنف... ووجوده في سورية وانتهاك ما اتفقت عليه القيادات اللبنانية بالنأي بالنفس...». ولقيت العملية تضامناً من فصائل فلسطينية عدة، أبرزها حركة «حماس»، مع «حزب الله» الذي كان أمينه العام أجَّل كلمة له كان يفترض أن يلقيها إثر عملية القنيطرة إلى غد الجمعة، كي تأتي بعد حصول الرد من الحزب على قتل 6 من عناصره. وتفاوتت ردود الفعل اللبنانية بين تأييد العملية من حلفاء الحزب وانتقادها من خصومه، فحذر الرئيس السابق ميشال سليمان من الأهداف الانتخابية لنتانياهو في معاركه الداخلية ومعاركه مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، لجر لبنان الى خرق القرار 1701، داعياً الى الوقوف خلف الحكومة لعدم السماح لإسرائيل بالاستفادة من تشتت الموقف اللبناني. واعتبر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أنه «يبدو أننا سندخل مرحلة اضطراب كبيرة...»، ورأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن «حزب الله» يحاور مع تيار «المستقبل» من جهة ويتوسع بمشاريعه الإقليمية التي لا علاقة لها بلبنان وضد الميثاق الوطني ولسيادة الدولة ووجودها من جهة ثانية. واعتبر أن ما جرى على الحدود سيرتب تبعات خطيرة على الشعب اللبناني بأكمله. ودعت كتلة «المستقبل» النيابية الى الالتزام «قولاً وعملاً» بالابتعاد الكامل من أي تورط يحمل معه خطراً على لبنان، وأكدت أنه لا يحق لأي طرف مصادرة إرادة اللبنانيين والحلول مكان السلطات الدستورية.