للمرة الثانية على التوالي، يثلج صدري حكم القاضي، ويبرّد النار التي ما زالت تشتعل بداخلي، المرة الأولى التي غمرتني الفرحة بعد تنفيذ حكم الإعدام على والد غصون وزوجته، والمرة الثانية بعد قراءة خبر الحكم على والد الطفلة كلثوم وزوجته وعدد من أقاربهما، بعد إدانتهم بتعذيب الطفلة، وانتهاكها جسدياً، والذي انتهى بوفاتها. يحيا العدل ألف مليون مرة، فلا شيء في الدنيا يساوي تحقيق العدالة، على رغم أن الفتاه لن تعود، ولا شيء في الدنيا قد يعوّضها عما عاشته وعانته بمفردها. شيء غريب الذي حدث لها أن يوافق أب، على رغم أنه لا يستحق هذا المسمى مطلقاً على ترك زوجته تعيث حقداً ودناءة وخسة في جسد طفلة لا تعرف كيف تدافع عن نفسها ولا عن حرمة جسدها، وهو يعلم وتحت عينيه وسمعه! ألم يهزه صوتها وهي تصرخ؟ ألم تعِده إلى رشده دموعها ولا استغرابها؟ وسؤالها الدائم والمكتوم في صدرها الصغير... لماذا... لماذا؟ سؤال سيظل بلا إجابة سوى تفسير متواضع بأن بعض الوحوش الآدمية تعيش بيننا، وقد تكون كلمة وحوش بسيطة عليهم، لأن الوحوش على رغم توحشها قد لا تقوم بما قاموا به ضد طفلة بريئة. على «اليوتيوب» فيلم قصير جداً، وكبير جداً في دلالاته، وهو غير مفبرك عن قصة امرأة أسعفت يوماً ما أسداً جريحاً، وأخذته إلى مكان آمن، ونسّقت مع المسؤولين لنقله إلى حديقة الحيوانات، وحدث مرة أن زارته في الحديقة، وعندما رآها هب واقفاً، ومدّ ذراعيه ليحضنها ويقبلها بكل حنان، امتناناً وتقديراً لما فعلته معه، لأنها أسهمت في تخفيف ألمه وعذابه، ولم ينسَ مع الوقت شكل وجهها ولا رائحتها. وعلى «اليوتيوب» أيضاً قصة أخوين ربّيا نمراً صغيراً لفترة من الوقت، ثم سلماه إلى إحدى المحميات، وحدث أن ذهبا بعد سنوات عدة لزيارته في المحمية، وعندما رآهما تغيّرت تعبيرات وجهه وركض نحوهما، ليحيطهما بذراعيه بكل حنان وفرح وسعادة واضحة للعيان. شاهدوا هذه اللقطات الرائعة، التي لا أكف عن النظر إليها كل صباح، لنرى كيف يرد الدين والوفاء من نطلق عليهم لقب وحوش ونظلمهم بكلمة مفترسين! وأعود للقاضي الذي حكم على هؤلاء الكائنات، الذين لا يستحقون لقب إنسان، لأدعو الله أن يبارك في عمره وأولاده وسمعته وعدله، فهذا الحكم أثلج صدورنا وأراح ضمائرنا، وأزال كم الحزن الباقي في داخلها. [email protected]