اتفق خبراء ومتخصصون في المصرفية الإسلامية على أن الأزمة المالية العالمية كان تأثيرها محدوداً على المؤسسات المالية الإسلامية، مؤكدين أن المصرفية الإسلامية تعاني من ندرة المتخصصين والأمر بحاجة إلى إنشاء كليات ومعاهد متخصصة تقوم بتخريج المتخصصين في هذا المجال. وقال هؤلاء في حديثهم ل«الحياة» إن سبب عدم تأثر البنوك الإسلامية بالأزمة العالمية أنها تسعى إلى استثمار حقيقي، منتقدين غالبية الدول العربية والإسلامية، لعدم تشجيعها للنظام الاقتصادي الإسلامي، ومحاربتها البنوك الإسلامية، ووضع العراقيل أمامها، مشيرين إلى أن دولاً مثل بريطانيا وفرنسا تتنافس حالياً لاجتذاب البنوك الإسلامية، وتغيير أنظمتها لتستوعب النظام الإسلامي. وقال الأمين العام لجائزة الأمير محمد الفيصل لدراسات الاقتصاد الإسلامي الدكتور خالد باطرفي، إن «أهم التحديات التي تواجه تطبيق الصناعة المالية الإسلامية تتمثل في عدم اقتناع البنوك المركزية في الدول الإسلامية بما اقتنعت به البنوك المركزية في الغرب، فالدول الغربية تتنافس على البنوك الإسلامية، ودول مثل بريطانيا وفرنسا تسعى لاجتذاب البنوك الإسلامية، وتغيير أنظمتها لتستوعب النظام الإسلامي». وأضاف: «في المقابل تحارب البنوك المركزية في الدول الإسلامية البنوك الإسلامية وتضع العراقيل أمامها، خصوصاً في البحرين وماليزيا والإمارات، وأكثرية البلاد العربية والإسلامية لا تشجع ولا تسمح للنظام الاقتصادي الإسلامي بالنجاح». ورأى أن نجاح تجربة المصرفية الإسلامية بحاجة إلى بيئة مشجعة ومحفزة، وهذا الأمر يأتي غالباً من المتعاملين الذين يرغبون في التعاون مع وسائل تمويل غير ربوية، وهذا هو الدافع الرئيسي الذي فرض على بنوك ربوية عريقة فتح المجال للاستثمار والتمويل على الطريقة الإسلامية لتخدم عملاءها المسلمين، كما أن عملاء غير مسلمين اقتنعوا بجدوى وصدقية وأمان البنوك الإسلامية والنظام الإسلامي، فأصبحوا يستثمرون ويقترضون وفقاً لنظام المصرفية الإسلامية. واعتبر باطرفي أن «محدودية عمر التجربة والحرب القائمة عليها حد من توافر المتخصصين، والتجربة لو تم تشجيعها في الدول الإسلامية، لكانت الجامعات في الدول الإسلامية أوجدت كليات متخصصة ومراكز أبحاث في هذا المجال، تخرّج متخصصين في المصرفية الإسلامية». وأشار باطرفي إلى أن البرلمان الفرنسي أحدث تغييراً في نظام البنك المركزي الفرنسي، ليسمح للبنوك الإسلامية بالعمل، بهدف أن تصبح فرنسا مركزاً للمصرفية الإسلامية، وهذا التغيير تم بعد الأزمة العالمية التي كشفت عيوب النظام الرأسمالي، وأثبتت أن البنوك الإسلامية والاقتصاد الإسلامي هو الحل، لصدقيته وعدم تورطه في المشتقات المالية، وربطه للتمويل والقروض بأشياء ملموسة وإنتاج محسوس. من ناحيته، أكد الخبير في الاقتصاد الإسلامي الدكتور أحمد الاسلامبولي، أن «الأزمة العالمية لم يكن لها تأثير في البنوك الإسلامية، لأنها تسعى إلى استثمار حقيقي، والاقتصاد الإسلامي هو اقتصاد حقيقي، لكن للأسف توجد بعض الممارسات في الاقتصاد الإسلامي بدأت تخرج عما ينبغي أن تكون عليه، بمعنى محاكاة الفكر الغربي في عملية خلق النقود، فمسألة التورق نجد أنها التفاف حول الربا». وأضاف الاسلامبولي أن «عدد المتخصصين في مجال الاقتصاد الإسلامي قليلون، ويجب أن يجمعوا بين الاقتصاد والعلوم الشرعية، ومن الصعب أن نوجد العنصرين في شخص من دون أن تكون هناك فترة من الخبرة قد تزيد على 30 عاماً، وللتغلب على هذه المشكلة يجب إيجاد معاهد متخصصة وعلى كفاءة عالية». وأوضح أن الدول الأوروبية اتجهت لتطبيق المصرفية الإسلامية، لأنهم وجدوا في الفكر الاقتصادي الإسلامي ما يقضي على السلبيات التي وقعوا فيها، وهم يطبقون ذلك اقتناعاً بالمصرفية الإسلامية، «ولكن توجد انتقائية في فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية، فهم يأخذون الفكر الاقتصادي ولا يطبقونه كاملاً، بل يطبقون الجزئية التي تمكنهم من مواجهة مشكلاتهم». وشدد على أن البنوك الإسلامية دخلت قبل الأزمة في تمويلات واستثمارات حقيقية، وهي ملتزمة في أنشطتها بأحكام الشريعة الإسلامية. غير أن مدير مركز صالح كامل أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر الدكتور يوسف إبراهيم رأى أن البنوك الإسلامية خسرت خلال الأزمة العالمية، لارتباطها بالنظام المصرفي العالمي، ولكن خسائرها ليست كبيرة، لأن أموال البنوك الإسلامية ليست كلها موظفة بطريقة الأسهم والسندات التي هوت، ولكن لديهم استثمارات عائلية كبيرة حالت دون التعرض للخسائر الكبيرة. وعن حجم خسائر البنوك الإسلامية، قال: «ليست هناك إحصاءات دقيقة حول خسائر البنوك الإسلامية أو غيرها من البنوك، والخسائر التي أعلن عنها في دول الخليج كانت متناقضة، لأن معظم المؤسسات تخفي حقيقة الاضطرابات التي تعرضت لها، والتقديرات تقريبية من مراقبين خارجيين أو أشخاص يستخدمون مؤشرات ليست دقيقة». وأضاف إبراهيم أن «التحديات التي تواجه تطبيق الصناعة المالية الإسلامية كثيرة، أهمها أن المؤسسات المالية الإسلامية تعمل في بيئة تسيطر عليها المؤسسات المالية غير الإسلامية، ما يزيد من شدة المنافسة ويجعلها غير متكافئة، لأن البنوك التقليدية مدعومة من المؤسسة الدولية ومن جميع الاتجاهات، بينما المؤسسات المالية الإسلامية ليست مدعومة بقوة». وشدد على ضرورة توافر المتخصصين في المصرفية الإسلامية، لأنه ليس لدينا متخصصون بالعدد الكافي، ما يساعد في النهوض بهذه الصناعة، وهناك محاولات يقوم بها المجلس العام للبنوك الإسلامية، لدعم النقص الموجود في الكفاءات المطلوبة للنهوض في الصناعة المالية الإسلامية. ورأى أن الكثير من الدول الأوروبية غير مؤمنين بالنظام المصرفي الإسلامي، غير أنهم يستخدمونه ويطبقونه بشكل أفضل مما يطبق في الدول الإسلامية، لأنهم محترفون في الأمور البنكية. وأكد ضرورة إنشاء المراكز البحثية المتخصصة والمعاهد العلمية التي تشرف على إعطاء الإيجابيات، واستحداث تخصصات في الجامعات الإسلامية تعنى بالمصرفية الإسلامية.