لاعب أستراليا: كنا نستحق الفوز على السعودية    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    الحقيل يلتقي في معرض سيتي سكيب العالمي 2024 وزيرة الإسكان والتخطيط الحضري البحرينية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 43736 شهيدًا    وزير الإعلام يلتقي في بكين مديرَ مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني    مركز الاتصال لشركة نجم الأفضل في تجربة العميل السعودية يستقبل أكثر من 3 مليون اتصال سنوياً    المروعي.. رئيسة للاتحاد الآسيوي لرياضات اليوغا    «محمد الحبيب العقارية» تدخل موسوعة غينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    أمير الرياض يستقبل أمين المنطقة    الذهب يتراجع لأدنى مستوى في شهرين مع قوة الدولار والتركيز على البيانات الأمريكية    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ الضيوفي    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    القبض على (7) مخالفين لنظام أمن الحدود لتهريبهم (126) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    الدكتور الربيعة: العمل الإنساني يعاني من تنامي الأزمات ونقص التمويل وصعوبة الوصول للفئات المستهدفة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في «stc»    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    «هيئة الإحصاء»: معدل التضخم في السعودية يصل إلى 1.9% في أكتوبر 2024    البلدية والإسكان وسبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت    وزير الخارجية يصل لباريس للمشاركة في اجتماع تطوير مشروع العلا    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    رقمنة الثقافة    الوطن    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    أفراح النوب والجش    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    استعادة التنوع الأحيائي    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    المنتخب يخسر الفرج    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    أجواء شتوية    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    الذاكرة.. وحاسة الشم    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    تكريم الفائزين بجائزة الأمير سلطان العالمية للمياه في فيينا    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«1984» لجورج أورويل ... للاستبداد وجوه كثيرة
نشر في الحياة يوم 13 - 01 - 2015

صدرت أخيراً، عن سلسلة «آفاق عالمية»- الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، ترجمة جديدة لرواية «1984» التي كتبها جورج أورويل عام 1948 ونشرت في العام التالي، والتبديل في التواريخ تعمده الكاتب في ما أظن للإفلات من دائرة الرقابة والمنع، ومع ذلك لم يشفع له هذا العنوان المستقبلي في منع الرواية لسنوات في بعض الدول التي كانت تخضع لنظام حكم شمولي، وكأن الرواية تشير إليها بأصابع الإتهام وتعري أنظمتها المستبدة الفاسدة. ولم يمنع أيضاً أن تترجم الرواية إلى أكثر من ستين لغة ويتم اختيارها ضمن أفضل مئة رواية مكتوبة بالإنكليزية جنباً إلى جنب رواية «مزرعة الحيوانات» للكاتب نفسه والتي جاء ترتيبها 31 في قائمة أفضل روايات القرن العشرين.
والترجمة الجديدة تحمل توقيع مترجم مصري شاب هو عمرو خيري. وهناك أوجه تشابه بين الروايتين، ترجع إلى تناولهما نظام حكم شمولي يشوه معارضيه وينسب إليهم تهماً وهمية، ويزيف الماضي ويقلب الحقائق. فالحاكم المستبد في رواية 1984 هو «الأخ الكبير»، بينما في «مزرعة الحيوانات» كان نابليون هو ذلك الطاغية.
تصنف رواية «1984» كنوع من أدب الخيال السياسي أو دوستبيا Dystopia تدور في المستقبل، لكنها ليست رواية خيال علمي، بل ذلك الخيال السياسي الذي يمكن أن نطلق عليه أدب المدينة الفاسدة عكس المدينة الفاضلة يوتوبيا Utopia. الديستوبيا تعني باليونانية المكان الخبيث وهي عكس يوتوبيا. وكما يحدث في روايات الخيال العلمي التي تتنبأ ببعض الظواهر العلمية التي تكون آنذاك مجرد تكهنات يحدث في رواية «1984» التي تصبح فيها تلك الخيالات السياسية عن القهر والاستبداد والديكتاتورية واقعاً لا خيالاً.
بطل الرواية، ونستون سميث، موظف يبلغ من العمر 39 عاماً، يعمل في «وزارة الحقيقة»، وهي وزراة لا تمت إلى الحقيقة بصلة، بل مهمتها هي تلفيق الأخبار غير الحقيقية والانتصارات الوهمية للأخ الأكبر، وهو ككل الأبنية حيث توجد في كل غرفة صورة مرسومة للأخ الأكبر وأسفل الصورة عبارة (الأخ الأكبر يراقبك) مكتوبة في شكل بارز وفج.
وفي كل شارع وزاوية توجد شاشة رصد تحصي على الناس أنفاسهم وتحركاتهم وتعبيرات وجوههم للتأكد من أنهم مخلصون للحزب وللأخ الأكبر، وليس لهم ولاء لغيره.
ونستون، يفتح دفتراً اشتراه في شكل غير شرعي ليبدأ في تدوين أفكاره، وهو مدرك أنه بدءاً من تلك اللحظة صار في عداد الموتى، فمجرد عملية التفكير يعتبرها الحزب جريمة تستحق الموت ويسميها «جريمة الفكر». يكتب ونستون في دفتره أنه يكره الأخ الأكبر. في الوقت ذاته يتعرف إلى جوليا وهي فتاة في السابعة والعشرين من عمرها تنتمي إلى الحزب ولكنها تشترك مع ونستون في كراهية الحزب. وسرعان ما تحولت علاقتهما إلى علاقة محظورة، علاقة حب ملأى بالمشاعر، أحاسيس وجدها ونستون تستيقظ في أعماقه فجأة، لم يكن يتخيل أنها موجودة داخله من قبل، واستمرا في لقائهما سراً يتحدثان عن العالم، ويتبادلان حبهما في غرف سرية. ثم يبدأ التفكير ب «أوبراين»، وهو أحد أعضاء الحزب الداخلي الذي شعر ونستون أن ولاءه للحزب ليس تاماً، فقد شك ونستون أن أوبراين ينتمي الى أخوية شديدة السرية والغموض تعمل ضد الحزب، ولكن لم يكن اعتقاد ونستون يمت إلى الواقع بصلة، فبعد أن أمسكت أجهزة الأمن بالعاشقين، أُخذاً إلى «وزارة الحب» من أجل الاستجواب، وأشرف أوبراين بنفسه على التعذيب، فانهار ونستون بعد أشهر، ليخون نفسه ويخون جوليا عندما يقول: «عذبوها هي وليس أنا». فيستسلم لعملية غسيل الدماغ، ويتعلم أن يحب الأخ الأكبر فقط وألا تكون له أي مصالح أو مشاعر فردية، ولا يفكر بشيء لم يسمح له الحزب بالتفكير فيه. وعندها يطلق سراحه، ويعتبر مواطناً مثالياً، ولم يعد خطراً على المجتمع.
إذا أردنا التحدث عن اللغة عند أورويل، كما ظهرت في ترجمة عمرو خيري، فعلينا أن نتذكر مقولة أورويل: «لقد صُمِّمت اللغة السياسية لكي تجعل الأكاذيب تلبس ثوب الحقائق، ولكي تقتل ما هو جدير بالاحترام». يكفي أن نعرف أن بعض المصطلحات التي وردت في رواية «1984» تم تدشينها في معاجم الإنكليزية كلغة جديدة فمصطلح أورويلية Orwellian الذي يصف ممارسات الحكم الاستبدادي والشمولي والتي دخلت في الثقافة الشعبية مثل ألفاظ أخرى من ابتكاره منها «الأخ الأكبر، التفكير المزدوج، الحرب الباردة وجريمة الفكر وشرطة الفكر».
في هذه الرواية يثبت جورج أورويل أنه ليس أديباً فذاً فقط، بل يثبت أنه مفكر سياسي محنك. فهو لم يكتف بتحليل الفكر الاستبدادي وتحليل طريقة عمله، بل تجاوز ذلك ليتنبأ بما سيؤول إليه هذا الفكر إن استمر على ما هو عليه. هذا النوع من الفكر بمرور الوقت يتخلص من نقاط ضعفه التي تطيح به عادة. وأيضاً بمرور الوقت يعزّز أوجه قوته كي يكسب أعضاء جدداً يسيطر بهم على العامة وعلى الثورات المحتملة، فأفكار «الأخ الأكبر» في هذه الرواية تختلف تماماً عن الأفكار الاستبدادية التقليدية. فهو يتعامل مع الشعارات والهتافات والتسميات بطريقة مختلفة. لاحظ أسماء الوزارات مثلاً: وزارة السلام هي التي تعنى بشؤون الحرب، ثم وزارة الحب وهي المسؤولة عن حفظ النظام وتطبيق القانون، ثم أخيراً وزارة الوفرة وهي ترعى الشؤون الاقتصادية. وكما وزارة الحقيقة التي لا تمت إلى اسمها بصلة كذلك كانت وزارة الحب في الواقع مصدراً للرعب والخوف، يحيط بها سياج من الأسلاك الشائكة والعاملون بها يرتدون بزات سود، ويحملون هراوات مدببة. فكل شيء في هذه الدولة كان مدروساً لتحويل البشر إلى أرقام وكائنات فحتى السجائر كان يطلق عليها سجائر النصر، بل أنه يفهم فكرة «السلطة» وغايتها وتطبيقها في شكل مختلف. يتعامل الأخ الأكبر مع هذه الأفكار ويفهمها بطريقة جديدة متطورة تضمن له أن يكون نظامه السياسي غير قابل للهزيمة حتى يمكنه أن يستمر للحظة الآنية في دول عدة، فللاستبداد وجوه كثيرة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.