غادر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بغداد أمس، حاملاً معه عشرات الاتفاقات ذات الطابع الاستراتيجي تدعم سعيه إلى إعادة صوغ التوازنات والمعادلات في الشرق الأوسط. وفيما كان لافتاً تأكيد أردوغان استمرار الوساطة التركية لتسوية الأزمة بين بغداد ودمشق «إلى أن ينتهي الخلاف بينهما» وتفضيله الحل الإقليمي «لأن تدويل القضية غير مجد»، كان أبرز مظاهر الزيارة إصراره على طرح موضوع الخلاف في كركوك، على رغم تحفظات المسؤولين العراقيين، وحرصهم على إبقاء القضية في نطاق الحل الداخلي. وأسفرت زيارة أردوغان لبغداد عن توقيع حوالى 50 اتفاقاً في المجالات الاقتصادية، يفترض ان ترفع، على ما يقول مطلعون، سقف التبادل التجاري بين البلدين من خمسة بلايين دولار حالياً الى 20 بليوناً سنوياً، مقابل زيادة تدفق المياه في نهر الفرات الذي أصبح على حافة الجفاف في العراق. ويعتقد محللون ان الاتفاقات العراقية - التركية ستكون اكثر صلابة من الاتفاقات الاستراتيجية الموقعة بين بغداد ودمشق التي تعرضت لنكسة كبيرة، بعد توقيعها مباشرة، وان ما تم إنجازه بين بغداد وأنقرة سيسمح للأخيرة بلعب دور رئيس في العراق، ويدعم توجهها لإعادة صوغ التوازنات في المنطقة وملء الفراغ الاستراتيجي الذي سيخلفه الانسحاب الأميركي. وتقول مصادر سياسية عراقية إن أردوغان استخدم ورقة المياه بشكل فعال لضمان تحويل بلاده الى بوابة اقتصادية رئيسة للعراق، بدلاً من عمان ودمشق وطهران. وكان اصرار الزائر التركي على طرح قضية كركوك للنقاش مع الزعماء العراقيين من المؤشرات الجديدة في السياسة التركية التي كانت تعتمد في السابق إطلاق مواقف إعلامية تعارض ضم المدينة الى اقليم كردستان. وعلى رغم تحفظات عراقية أبدتها بغداد خلال لقاءات اردوغان مع رئيس الجمهورية جلال طالباني ونائبيه طارق الهاشمي وعادل عبد المهدي ورئيس الوزراء نوري المالكي، بالإضافة الى رئيس البرلمان اياد السامرائي، عن طرح موضوع كركوك للنقاش خلال الزيارة، فإن مطلعين على سير المحادثات أكدوا ان الزائر أصر على ان يكون هذا الموضوع أساسياً خلال لقائه المسؤولين العراقيين. وكان طالباني قال إن زيارة رئيس الوزراء التركي «تشكل دعماً للشعب العراقي ومسيرته الديموقراطية وتأكيداً للصداقة والتحالف الاستراتيجي بين البلدين». ووصفها الضيف بأنها «تاريخية» نجحت في توقيع 48 مذكرة تفاهم. وبدا واضحاً ان أردوغان سعى إلى إعادة إحياء الوساطة التركية في الأزمة العراقية - السورية، مؤكداً خلال لقائه الهاشمي ان «أنقرة ستستمر في وساطتها حتى ينتهي الخلاف بين البلدين». وقالت مصادر عراقية انه دعا بغداد الى جولة جديدة من المفاوضات لتسوية الأزمة، معتبراً «طريق التدويل غير مجد، خصوصاً إذا توفرت بيئة اقليمية مواتية للحل».