لا شيء في هذه الدنيا (أرقى) من العرفان بالجميل وبالامتنان لشخص ما (قرأ حاجة إنسان آخر وبادر لمساعدته) فمنذ وصلتني هذه القصة على الإيميل وأنا أقرأها يومياً وشعور بالبهجة يغمرني. القصة عبارة عن مراهق من الذين يعملون في توزيع الجرائد على المنازل، لحاجتهم إلى المردود المادي، والتي تحكي عن شعور هذا المراهق يوماً ما أثناء توزيع الجرائد بالجوع والعطش الشديدين، فقرر أن يطلب من أصحاب المنزل أن يمدوه بكأس من الماء، ولكن الفتاه التي فتحت له الباب قرأت إحساسه بالجوع وبادرت بإعطائه كوباً من الحليب، فشكرها وانصرف وصورتها محفورة في مخيلته، ومرت الأيام ودرس الطالب الطب وعمل كطبيب في إحدى المدن الصغيرة، وحدث أن الأطباء كانوا يناقشون حالة إحدى المريضات المتأخرة، والتي وصلت بالأمس من إحدى المدن القريبة، وكلفوه بالمرور على المريضة لإجراء كشف عاجل ولتشخيص حالتها، فذهب إليها وتعرف عليها على الفور، ولكنه لم يخبرها واستمر في علاجه لها لأنه متخصص في مرضها النادر، وظلت الفتاة بالمستشفى لفترة طويلة، وتحسنت بصورة كبيرة بمشيئة الله، وعندما حان وقت خروجها من المستشفى طلبت الفاتورة وهي ما زالت في غرفتها، وكانت خائفة جداً لأنها لم تكن تملك ثمن بقائها في المستشفى لفترة طويلة، ولكنها فؤجئت بالممرضات يخبرنها بأنها ليست مطالبة بدفع أي مبلغ، صُعقت الفتاة وطلبت الفاتورة لترى كيف ولماذا، وخصوصاً أنها لا تملك تأميناً طبياً وأهلها في مدينة بعيدة، ولا يملكون أجرة المواصلات فكيف بفاتورة علاجية طويلة الأمد. والذي حدث أن الطبيب المذكور لم ينس مع الزمن (تفاصيل وجهها) وتأكد عندما قرأ اسم عائلتها وعنوان بيتها الذي يحفظه عن ظهر قلب، لأن واحدة من سكان هذا المنزل (تبرعت له يوماً ما وهو في أوج حاجته لشرب شيء يطفئ جوعه وعطشه) والذي لم ينس يوماً صنيعها الجميل فطلب الفاتورة وكتب عليها مدفوعة بالكامل على حسابي الخاص، وأرفق معها ورقة صغيرة لأنه توقع أن الفتاة (ستطلب تفسيراً) فكتب عليها جملة صغيرة فيها الكثير من العبر (الفاتورة مدفوعة بالكامل بكأس من الحليب)! علمتنا أمهاتنا أن فعل الخير (يجب أن يُنسى) ولا يجب أن نتوقع شكراً أو مقابل له، وقد يكون ما علموه لنا صحيحاً وجميلاً، ولكن الشعور بالامتنان لشخص ما وقف يوماً بجانبك ودعمك بصورة أو بأخرى حتى لو بكلمة غيرت مسيرة حياتك (شعور جميل يعزز الخير ويحوله إلى متعه تدخل السعادة إلى تجاويف القلب والروح أيضاً. [email protected]