أكثر من عشرة أفلام قصيرة لا تزيد مدة عرض الواحد منها على العشر دقائق تم عرضها أخيراً في قصر المانسترلي في القاهرة. والجديد هنا أن الأفلام التي تم عرضها بمشاركة فنانين شباب تم صيغها حسب تقنية «الروتوسكوب»، وهي إحدى تقنيات الرسوم المتحركة التي تعتمد في الأساس على مشاهد حقيقية تم تسجيلها من قبل، ليُعاد بعد ذلك صياغتها بالاعتماد على تحويل كادرات الفيلم الرئيسية إلى رسوم متحركة، وهي الطريقة التي ابتكرها الأخوان «ماكس وديف فلايشر» في بدايات القرن الماضي ليتم استخدامها بعد ذلك في الكثير من الأفلام. ومن المعروف أنه تم توظيف هذه التقنية في الكثير من الأفلام المنتجة بواسطة والت ديزني في ثلاثينات القرن الماضي مثل «الأميرة والأقزام السبعة» و «سندريلا». وانتشرت هذه التقنية على وجه الخصوص في الصين وروسيا والولايات المتحدة لصناعة أفلام الرسوم المتحركة، ليس هذا فقط بل يتم الاستعانة أيضاً بهذه التقنية في شكل مكثف في الكثير من الأفلام السينمائية كأداة فعالة لإضافة تأثيرات بصرية خاصة على المشهد أو لنزع عنصر من العناصر الموجودة من مكان الحدث واستخدامه على خلفية مختلفة، فقد استخدمت تقنية الروتوسكوب بكثافة في سلسلة أفلام «حرب النجوم»، و «سوبرمان»، و «هاري بوتر»، و «الأرنب روجر» وغيرها من أفلام الخيال المنتجة حديثًا. وتعتمد مجموعة الأفلام المعروضة حالياً في قصر المانسترلي في القاهرة على هذه التقنية بشكل أساسي في بناء مشاهد لأفلام قصيرة تستوحي مفرداتها البصرية من مشاهد أحد الأفلام السينمائية المصرية وهو فيلم «الاختيار» للمخرج الراحل يوسف شاهين والذي تم إنتاجه عام 1970 في فترة تميزت فيها أعماله باهتمام متعمق بالصورة كمحدد أساسي، ما أتاح الفرصة أمام الكثير من المخرجين في ذلك الوقت لخوض تجارب فنية أكثر تحرراً من قيود التقاليد الكلاسيكية لصنع الأفلام. ولقد تم طرح فكرة المشروع الأولية بمبادرة من قاعة «ممر 35» التابعة لقطاع الفنون التشكيلية المصري، هذه القاعة التي تعنى بدعم المحاولات الفنية الأولى لشباب الفنانين المصريين، وتسليط الضوء على الإبداعات المختلفة في مجال الفنون المعاصرة. والمشروع هو امتداد لما قامت به القاعة من ورش عمل في مجال فن الفيديو والتي كان نتاجها مجموعة من الأفلام القصيرة تم عرضها في عام 2007. وبدأ مشروع الروتوسكوب بمجموعة من الجلسات التحضيرية واللقاءات الحوارية بشباب الفنانين أدارها منظمو المشروع، أحمد فولة ونجلاء سمير، ليتم الإعلان بعدها عن دعوة مفتوحة للفنانين المعنيين بالصورة لتقديم مقترحات لمشاريع يتم تطويرها وإنتاجها من خلال ورش العمل بالمشروع. بعدها تقدم للمشاركة عشرون فناناً وقع الاختيار من بينهم على أحد عشر مشروعاً تمخضت عن مجموعة الأفلام القصيرة التي تم عرضها والتي تمثل أحد الإرهاصات الأولى لاستخدام هذه التقنية في مصر والشرق الأوسط. ويقول المنظمون لمشروع الروتوسكوب، أن التوجه نحو الاهتمام بالوسائط البصرية المختلفة يأتي في إطار تنامي الاهتمام خلال الآونة الأخيرة بالصورة كوسيط يحتمل التجريب وإعادة التشكيل وزيادة الحاجة إلى خلق مساحات إبداعية تفاعلية يعزى لها طرح أساليب بديلة لتناول الصورة من زوايا فكرية أكثر تنوعاً، لذا فإن مشروع الروتوسكوب هو أحد المسارات التي تحقق هذا الهدف وذلك من خلال إقامة ورش عمل ولقاءات بين الفنانين المهتمين بهذا المجال خصوصاً ومجالات الفنون البصرية والسمعية وفنون الأداء بشكل عام وذلك لإنتاج مجموعة من الأفلام القصيرة التي تعتمد في تكوينها على مدلولات الصورة بشكل أساسي من دون إغفال علاقتها بالمحددات السمعية والأدائية المرتبطة بإطار كل عمل. أحمد صبري أحد المشاركين في هذا المشروع، فنان شاب من خريجي «التربية الفنية» يشارك بفيلم مدته ثلاث دقائق تقريباً تحت عنوان «العوامة» وهو مشهد يجمع بين الفنان عزت العلايلي والراحلة سعاد حسني وفيه تعمد صبري تغيير ملامح الشخصيتين حيث نرى الفنان عزت العلايلي - على سبيل المثال - وقد أطلق لحيته مرتدياً جلباباً أبيض في الوقت نفسه الذي ظهرت فيه الفنانة سعاد حسني وهي مرتدية للنقاب هذا الزي الذي بات يمثل أخيراً أحد الملامح الملفتة في الشارع المصري. ويحاول صبري من خلال هذا المشهد كما يقول الجمع بين المتناقضات حين يجمع بين الأصولية المتمثلة في الملابس والملامح الجديدة لأبطال الفيلم والسلوكيات والمناخ العام المنتمي إلى فترة السبعينات التي يتواجدان فيها.