منذ خاضت صبية، حمى النضال السياسي في إسرائيل، وهي بعد في السادسة عشرة من عمرها، ضمن صفوف منظمة ماتزين، اليسارية الرافضة أي وجود لإسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني، بالتزامن مع خوضها نضالات «الفهود السود» من اليهود الشرقيين ضد اليهود الأوروبيين، داخل الدولة العبرية، كانت سيمون بيتون، المغربية الأصل، الفرنسية الجنسية لاحقاً، تعرف أن السينما، والصورة في شكل عام ستكون طريقها المثلى للنضال في سبيل، ليس فقط السلام في المنطقة، بل كذلك جعل فلسطين / إسرائيل، دولة واحدة تتجاور فيها الشعوب. ومن هنا، ما إن رأت نفسها عرضة لضغوط نفسية كبيرة، بعد أن أتى بها أصلها من المغرب الى إسرائيل، حتى ارتحلت الى فرنسا، حيث تعيش منذ سنوات طويلة لتدرس السينما في مدرسة «الأيديك» الشهيرة، وتنصرف بعد ذلك الى تحقيق شرائط تتمحور موضوعاتها الرئيسة، من ناحية حول همومها السياسية (دعم القضية الفلسطينية، والوصول الى السلام، والمساهمة في فضح الهمجية الصهيونية والتطرف اليهودي، بحسب تعبيرها) ومن ناحية ثانية، الاحتفال بالثقافة العربية كفعل نضال سياسي. ومن هنا، كان من الطبيعي لسيمون بيتون أن تهتم أول ما تهتم بفنون الفن، والموسيقى العربية، فتحقق للتلفزة الفرنسية شرائط عن أم كلثوم وليلى مراد وفريد الأطرش. ولكن منذ عام 1997، بدأ فنها السينمائي ينحو في اتجاهات أكثر سياسية. ولعل الانتفاضة الفلسطينية الأولى هي التي حركتها في هذا الاتجاه، حيث اشتهرت من فيلمها الشهير «فلسطين/ إسرائيل حكاية أرض» صور استخدمت لاحقاً من قبل عدد لا بأس به من أفلام الآخرين. والى سيمون بيتون يُعزى على أية حال أول استخدام للمشهد الشهير الذي يكسر فيه عدد من الجنود الإسرائيليين ذراع مناضل فلسطيني أعزل. وفي وقت لاحق، وقبل ان تصبح شهرتها عالمية بدءاً من عام 2004 بفضل فيلم «جدار» وتترسخ هذه السمعة الآن، بفضل «راشيل» حققت سيمون واحداً من أقوى الأفلام «الفلسطينية» وهو الفيلم الذي تحدثت فيه، لحساب القناة الثالثة في التلفزة الفرنسية، عن محمود درويش وتاريخه وشعره، وعلاقته بأرضه. وسيمون بيتون، المغربية الأصل والتي لم تنقطع أبداً صلتها بوطنها الأصلي المغربي، حققت عام 1998 فيلماً عن قضية المناضل المهدي بن بركة... كما حققت عام 2001، فيلماً عن «المواطنة بشارة»، من دون أن تنسى، من الجانب الآخر أن تكرس فيلماً يتحدث عن مواطنين إسرائيليين وقعوا ضحية عمليات إرهابية. وهي تقول عن هذا: «سيكون من الأيديولوجيا الدعاوية الكاذبة أن نخلق تعاطفاً عالمياً مع فلسطين وأهلها وقضيتها إن نحن أغفلنا أبرياء أصابت العمليات الإرهابية منهم مقتلاً، في المقلب الثاني». مهما يكن، يظل فيلما سيمون بيتون الأخيران «جدار» و«راشيل» أقوى انتاجها حتى اليوم، والمكان الذي عبرت فيه، بكل وضوح عما يمكن للفن أن يفعله بالنسبة، ليس فقط الى تعريف العالم بحقائق تطاول واحدة من أكثر القضايا السياسية تعقيداً في أيامنا هذه، بل كذلك جعل الفيلم جزءاً من الفعل السياسي نفسه. والحقيقة ان من يتابع ردود الفعل على هذين الفيلمين المتكاملين، يمكنه إدراك أن بيتون نجحت في مسعاها، موصلة فنها السينمائي - في طريقها - الى مستويات بالغة الأهمية.