ظهر عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور سعد الشثري قبل ثلاثة ايام على قناة المجد، وتحديداً في برنامج «الجواب الكافي»، وقد طلب أحد المتصلين المتحمسين من الشيخ توجيه نصيحة لعموم المسلمين عن الاختلاط الواقع بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وقد أجاب الشيخ بأن ثمة أموراً في الجامعة لا يُوافق عليها ولي الأمر، وذكر من تلك الأمور الاختلاط الواقع في الجامعة، الذي أسهب مطولاً بالحديث عن خطورته ومساوئه على المجتمع، واصفاً ذاته أن مثل هذه الأمور، وإن كانت جزئية ولكن وبسبب تلك الجزئيات قد يُحرم الكثيرون من منافع وفوائد تلك المشاريع العملاقة. وأقول لفضيلة الشيخ الشثري طالما أنك مقر بأن مثل هذه الأمور هي جانبية فما كان الداعي لديكم لإثارة قضية هامشية من شخصية مثلكم لها اعتبار رسمي وتمثيل في أعلى المؤسسة الدينية! لا شك أن مثلكم يدرك أهمية وخطورة مسؤولية الكلمة، وما صدر منكم فلا شك بأنه سيفتح باباً عظيماً للجهلة ومرضى القلوب للتأليب والتشويش على ولاة الأمر. لقد عاد الشيخ بالأمس ليصدر بياناً توضيحاً لكلامه الذي قاله في قناة المجد الذي كنت اجزم بأنه سيكون تراجعاً منه عما نشر عنه في عدد من وسائل الإعلام، ولكن المفاجأة كانت بتأكيده مجدداً بأن الاختلاط أمر «غير مقبول» في الجامعة ليكون كمن فسر الماء بعد الجهد بالماء. لقد ظننت أن الشيخ سيكون جريئاً في تراجعه عن مثل ذلك التشويش والتهويل من قضية الاختلاط، التي يدرك الشيخ بلا محالة أنها قضية خلافية، بل ويدرك قبل ذلك كله المنهج الذي سار عليه علماء هذه البلاد بمناصحة ولاة الأمر سراً والتحذير من الإنكار أو النصح العلني على الملأ. وأحب أن أذكر الشيخ بما حصل معه منذ ثلاث سنوات حول قضية كان لها صدى واسع لدى عدد من كبار العلماء لدينا وهي قضية جواز السعي بالمسعى الجديد، حيث كان الشيخ الشثري ممن يرون عدم جواز السعي، وبعد سنتين أصدر الشيخ بياناً تراجعياً عن فتواه السابقة نشرته صحيفة «الجزيرة» في 29ربيع الأول 1429ه ليفتي مجدداً بجواز السعي بالمسعى الجديد، وليقول في البيان ما نصه «إن لولي الأمر أن يختار أصلح ما يراه من أقوال الفقهاء عند اختلافهم في المسائل الاجتهادية التي ليس فيها أدلة قاطعة، فينبغي لمن كان له اجتهادات شخصية ألا يشوش على الراغبين في أجر أداء المناسك فلا نحتاج إلى المزايدة عليهم باجتهادات أخرى»، فكما أشرتم في بيانكم إلى أن ولي الأمر يختار ما يراه هو الأصلح عند الاختلاف في المسائل الاجتهادية ومن كان له اجتهاد يخالف ما راه ولي الأمر فلا يشوش على الآخرين باجتهاداته الشخصية، فما بال فضيلتكم وأنتم الذين دعيتم مشايخ الأمس إلى عدم التشويش على الناس عموماً وعدم مخالفة ما رآه ولي الأمر إلى فتح باب التشويش مجدداً، ولكن هذه المرة بقضية سيتشبث بها المتشددون والمتطرفون للقدح واتهام الآخرين بأسوأ وأبشع التهم. إن الدور المنتظر من علمائنا، ولا سيما من يشار إليهم بالبنان، استقراء الأوضاع ذات الحساسية العالية التي تمر بها المملكة العربية السعودية، والتركيز على القضايا الجوهرية بدلاً من البقاء في ظل القضايا الهامشية وأهمية توعية المجتمع بالأخطار الحقيقية المحدقة بنا من هنا ومن هناك. [email protected]