قال نائب رئيس تحرير صحيفة «لوموند ديبلوماتيك» الصحافي الفرنسي المتخصص في الشؤون العربية آلان غريش، إن من أهم أسباب نشوء الثورات وما يسمى ب«الربيع» في الدول العربية وما تلاها من سقوط أنظمة سياسية، كان «تغييب الشعوب عن الحصول على حقوقهم، وازدياد أعداد البطالة في صفوف الشباب»، مؤكداً أن خروج «الملايين من الشعب إلى الشارع، دليل على عدم وجود مؤامرة ضد الدولة، كما ترددها الأنظمة السياسية العربية التي سقطت». وأكد الصحافي غريش في محاضرة له بعنوان: «ناتج ثورات الربيع العربي» نظمها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ليل أول من أمس في الرياض، أن الدول العربية «كانت مهيأة للثورات الشعبية، كونه لم يطرأ تغيير عليها منذ الثمانينات، وأن عدداً من الزعماء العرب كانوا جامدين في السلطة وتتم تهيئة أبنائهم من بعدهم للحكم»، مشيراً إلى أن أبرز العوامل التي أنجحت الثورات كانت تتعلق بتغييب الحريات للشعوب، «غياب الحقوق هو الذي أفرز الثورات». ورفض الحديث عن مؤامرات خارجية لإدارة الثورات العربية، وقال: «إن أكثر الأنظمة تقول إن هناك مؤامرات أميركية، وإن هناك مشروعاً لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندليزا رايس المسمى ب«الفوضى البناءة»، وهذا غير صحيح إطلاقاً، لأن سياسة الرئيس أوباما اختلفت تماماً عن إدارة الرئيس بوش (...)، وعندما ينزل الملايين من البشر إلى الشارع ضدك فإنه حتماً ليست هناك مؤامرة». وأضاف: «الغرب وأميركا لم يخططا للتغيير في المنطقة، والوضع الأهم لأميركا في مصر تحديداً كان خلال فترة الانتقال السياسية، وكيف أنها ستؤمن السلام مع إسرائيل، والدليل أن الحكومة الأميركية عملت مع كل من حكم مصر الأعوام الماضية بعد إسقاط نظام مبارك، والكل شاهد أن التغيير في مصر وتونس كان أسهل من غيرهما، إذ لم تكن هناك ثورة بمعناها الحقيقي». وشدد الصحافي الفرنسي على أن مستقبل الشعوب العربية بيدها، «مستقبل الشعوب في يد الشعوب العربية أنفسها، والدول الأجنبية قد يكون لها تأثير محدود إما سلباً أو إيجاباً»، مضيفاً: «الشباب العربي اليوم أصبح منفتحاً على العالم أكثر من أي وقت مضى، وأصبح مطلعاً ويقرأ ويشاهد ما يدور، ومن الطبيعي أن يزيد طموحه في كثير من المجالات، والبطالة وضعف خدمات التعليم والصحة لها دور أساسي في الثورات». وتابع: «الدول العربية كانت مهيأة لثورات «الربيع العربي» التي حدثت، والربيع خلف الكثير من المشكلات في المنطقة، والعالم العربي لا يزال ضعيفاً، والتنظيم السياسي غائب، وغياب حقوق الشباب مشكلة، وأنا أرى أن الشاب التونسي البوعزيزي كان رمز الثورات العربي التي حدثت». وأكد غريش أن «الإخوان المسلمين» في مصر، أضاعوا خلال عام واحد كل جهدهم واضطهادهم الذي استمر نحو 50 عاماً، إذ لم يقدموا أي برنامج سياسي أو اقتصادي في عهدهم، «القوة الوحيدة في مصر بعد نظام حسني مبارك كانت الإخوان المسلمين، فهي كانت منظمة وجاهزة للانتخابات، وفازت بذلك في أول انتخابات نزيهة، ولكنهم أضاعوا كل شيء بسياستهم، ومرسي كان أول رئيس فعلي منتخب لمصر». كما حذر من انقسام طائفي في المنطقة العربية بين السنة والشيعة كما هو حاصل في العراق، وقال: «الأميركان ألغوا الدولة العراقية، وهناك حال كبيرة من الانقسام بين السنة والشيعة ولا توجد حكومة أصلاً، بل إن أميركا خسرت هذا الملف ولم تكسب من العراق أي شيء، كون إيران أصبحت تملك زمام الأمور». «السعودية لن تجري أي حوار مع إسرائيل طالما أن فلسطين محتلة»... رد الصحافي الفرنسي آلان غريش على سؤال حول محادثات السلام في المنطقة، وإمكان إجراء حوار بين السعودية وإسرائيل، بأنه لا يتوقع ذلك، وقال: «لا أعتقد أن السعودية ستجري أي حوار مع إسرائيل، طالما أن فلسطين ستبقى تحت الاحتلال». وأضاف: «المستفيد الوحيد اليوم من تفكيك الدول العربية إسرائيل، ومنذ بدء الثورات العربية غاب التأييد العربي للقضية الفلسطينية، والكل الآن مشغول بما يجري في سورية، ولا يوجد ضغط حقيقي على إسرائيل إطلاقاً، بل إن العلاقات الأوروبية - الإسرائيلية حالياً تحسنت كثيراً عن الأعوام الماضية». وفي شأن الوجود الأميركي بالمنطقة العربية، رأى غريش أن المؤشرات تفيد أن «الأعوام المقبلة لن يكون هناك وجود عسكري أميركي على الأرض العربية، وأن الأمر المهم بالنسبة إلى أميركا في المنطقة هي إسرائيل»، مشيراً إلى أنها (واشنطن) لن تبقى على اهتمامها نفسه بالشؤون العربية. وأضاف: «لا توجد لدى العرب أية مكافحة لإسرائيل في شأن القضية الفلسطينية، ولم أشاهد أي موقف باستثناء موقف الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز، ودوماً يجب التفريق أن اليهود في إسرائيل لا يمثلون اليهود في العالم بشكل كامل». وتطرق إلى العلاقات الإيرانية - العربية، لافتاً إلى أن «إيران لديها خطة استراتيجية في المنطقة، فيما أن العرب لا يملكون أية خطة للتعامل معها».