يشعر اللبنانيون بضيق يشتد خناقه على رقابهم ويزداد ثقله الرابض على صدورهم، يوماً بعد يوم. والحق أن لا عجب في ذلك، فالإنسان في لبنان يكتوي بنيران عدة: الأمن مضطرب، الدولة غائبة، الاقتصاد متآكل، الآفاق مسدودة... وحتى الشتاء كان شحيحاً ظالماً، فلم يرسل سحبه المثقلة بالماء لتهطل أمطاراً وثلوجاً تروي الطبيعة لتجعلها تعطي ما يخفف قليلاً من المعاناة، ويوفر المياه التي تعتبر شرياناً حيوياً لكل اقتصاد. ومن جملة الخسائر التي أصابت لبنان في هذا الشتاء الغريب، أن قممه العالية لم ترتدِ الأبيض إلا على استحياء، فبارَ موسم التزلج الذي ينعش عدداً لا بأس به من القطاعات، ويوفر قسطاً طيباً من الوظائف وإن الموسمية. يقول من تسمح لهم أعمارهم بالتذكر، إن لبنان عرف شتاء جافاً كهذا عام 1978، ولم تهطل كمية كافية من الثلج إلا أواخر شباط (فبراير)، فعوّضت قليلاً عن الشحّ ومنعت السقوط في حفرة الجفاف. ولكن يبدو أن هذه السنة ستكون أصعب، لأن لا بوادر تحمل على الاعتقاد أن الطبيعة سيرتوي عطشها، وأن المياه ستجري من جديد في الأنهار والسواقي، وستملأ البرك والأحواض الطبيعية والسدود. وهكذا ترتسم في الأفق القريب صورة صيف صعب، سيعزّ فيه الماء على الأفواه الظمأى، وينحبس عن الأراضي العطشى. فتضاف إلى أكداس المشاكل مشكلة جديدة لا يملك اللبناني سبيلاً إلى حلها، خصوصاً أن الدولة التي يفترض بها رعاية أبنائها وتوفير الحماية لهم، لا تزال مشروعاً مؤجلاً... تماماً مثل المطر الموعود!