تستقبل قاعة معارض «غاليري كاترين هوار» (Galerie Catherine Houard) في حي «سان جيرمان دي بريه» الباريسي الزاخر بالنشاطات الفنية على أنواعها، معرض «الشيء الذي تراه العين مرة واحدة ولكن يتذكره المرء مدى الحياة»، للفنان اللبناني الفرنسي إيف بادي دحداح، المستمر حتى 22 آذار (مارس) المقبل. ويضم المعرض مجموعة من الصور التي التقطها الفنان عبر رحلاته المتعددة في أماكن مختلفة من الكرة الأرضية. ويكتشف الزائر منذ لحظة عبوره القاعة، أن صور دحداح لا تشبه ما ألِفته العين في مثل هذه المناسبات، بمعنى أن السؤال الأول الذي يأتي إلى الذهن هو في شأن نوعية الأعمال المطروحة بالتحديد. فهل هي في الحقيقة صور فوتوغرافية مثلما هو معلن عنه، أم لوحات مرسومة أم مزيج من الإثنين؟ ومن الواضح أن دحداح أراد أن يفتح حواراً افتراضياً مع المشاهد ليحفّز عقله على السؤال من خلال مواجهة أعماله، رافضاً فكرة تسليم فن جاهز. وبعد التدقيق في كل صورة معروضة، وربما الإستعانة بالدليل الذي وُضع تحت تصرف الزوار، يتأكد المتفرج من أنها فعلاً صورة وأنها ترمز إلى مدينة ما مثل باريس أو نيويورك أو سيول أو ديترويت أو أبو ظبي وغيرها. لكن الصورة هذه مكونة من عشرات الصور المركبة في قلب بعضها بعضاً، إذ تبدو معالم المدينة البعيدة جداً الواحدة عن الأخرى وكأنها متجاورة. وإذا اكتفى المرء بإلقاء نظرة سريعة على صورة إلتقطها دحداح، فهو لا يرى أي شيء ولا يدرك معنى مثل هذا المعرض المحتاج إلى أن يخصص له من يأتي إليه ساعة كاملة على الأقل، معتبراً أنه يزور أحد أجنحة متحف اللوفر مثلاً أو غيره من المباني التي تقدم إلى الجمهور مجموعات من التحف تتطلب التمعن فيها من أجل فهمها. التيار السريالي وتتلخص التقنية التي يستخدمها دحداح في عمله بتركيب حوالى ثلاثين صورة في بعضها بعضاً، قبل أن يزين أركان كل واحدة منها بالفرشاة الرقمية مانحاً انطباع اللوحة المرسومة، ومسلطاً الضوء على الألوان الزاهية التي يرغب الفنان في إبرازها في شكل خاص. ويصرح دحداح بأنه يهوى المدن الكبيرة، ويسعى إلى إظهار مدى حبه لها ولسكانها من خلال صوره التي إذا أدخلت في إطار تيار فني مميز لكان هذا الأخير هو السريالي. فلا عجب إذاً أن يكون دحداح البالغ من العمر 68 سنة، تتلمذ على يدي العبقري سالفادور دالي قبل أن يطير بجناحيه ويمارس الرسم والتصوير الفوتوغرافي في دنيا الموضة. ومنذ عشر سنوات، اتّجه دحداح الى التصوير بالطريقة «المركّبة» كالتي قدّمها في المعرض. وكان النجم السينمائي كريستوفر لامبرت الذي يضيف إلى نشاطه كممثل هواية جمع التحف الفنية، وراء اكتشاف أعمال دحداح الحديثة. وقد عثر كما يقول، «في فن إيف بادي دحداح، على مزيج هائل من الخيال والغموض والمتعة والفرار البعيد، وكل ذلك في آن وبفضل الحس المرهف الذي يميز دحداح والنابع من ثقافته الممزوجة بين الشرق والغرب». يذكر أن كل صورة من الصور المقدمة في المعرض متوافرة في نسخة واحدة فقط حالها حال فساتين الخياطة الرفيعة «Haute Couture» في ميدان الموضة الذي يعرفه دحداح جيداً بما أنه عمل فيه.