يسجل السياسيون العراقيون حضوراً فاعلاً في «السوشال ميديا»، بوصفهم مصادر ثرية للسخرية عند الجمهور. ويحوّل المدوّنون الخطابات السياسية إلى منتجات إعلامية تطلق رسائل نقدية للوضع القائم بلغة الكوميديا. وقد تكون الأزمة الطائفية الملف الأكثر أهمية بالنسبة إلى المواد الساخرة التي تجعل من الاقتناعات العامة عن الاقتتال بين المكونات الدينية والعرقية، ونشوب حرب أهلية جديدة، نكتة سوداء. وللمواد الساخرة من الأدب السياسي العراقي أشكال مختلفة، منها نشاط شبه راسخ في موقع التواصل الاجتماعي. «بعد ما ننطيها (نعطيها)»، من أشهر الصفحات في موقع «فايسبوك»، وقد استعارت عنوانها من تصريح مشهور لرئيس الحكومة نوري المالكي، حين رد في مؤتمر قبلي في بغداد قبل عامين على هتاف ب «حياته» من أحد الشيوخ، يطلب منه البقاء في السلطة، فما كان من المالكي إلا أن قال: «هل يستطيع أحد أخذها (السلطة) حتى أسلّمها... بعد ما ننطيها». وأصبحت عبارة «ما ننطيها»، واحدة من علامات السخرية المكثفة، حتى أنها صارت تعليقاً مختزلاً لنقد الظواهر السلبية في الوسط السياسي العراقي. أما الصفحة الساخرة التي حملت العنوان ذاته في «فايسبوك»، وجاء في تعريفها أنها «تهدف إلى مكافحة ظاهرة التفرد»، فصارت منبراً تحولت فيه هموم عراقيين إلى مناسبات للضحك المبكي. ومثل المالكي، استعارت صفحات أخرى عناوينها من تصريحات - مقولات لسياسيين عراقيين، كما هو الحال مع رئيس الجمهورية جلال طالباني، ورجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، والسياسي السنّي عدنان الدليمي، وآخرين في قائمة طويلة لم يسلموا من نكات العراقيين. في موسمَي الأمطار الماضيين، كان أكثر ما ساء العراقيين أن الخدمات التي قدمتها السلطات التنفيذية لهم بموازنات مالية مرتفعة، لم تسعف شوارعهم من الغرق. وكانت تساؤلات عن أسباب الإخفاق في صيانة شبكات الصرف، وبقية البنى التحتية. وقد تلقف المدوّنون تسجيلاً لاجتماع رئيس الوزراء مع مسؤولين في بلدية بغداد، وكان من بينهم نعيم عبعوب الذي قال: «يعود سبب فيضان الشوارع إلى وجود صخرة كبيرة تزن نحو 150 كيلوغراماً، عُثر عليها مرمية في إحدى قنوات تصريف المياه... الدلائل تشير إلى جهة سياسية مغرضة قد قامت بذلك». نقلت وسائل الإعلام بعد ذلك عن المالكي استنكاره فعل السياسيين الذين ألقوا الأحجار والصخور في مجاري مياه الأمطار. وسرعان ما ابتكر أحدهم صفحة «صخرة عبعوب»، وأنشأ مدونون بهذا العنوان صفحات ساخرة، وأنتج عدد منهم أفلاماً للرسوم المتحركة يظهر فيها شخص يحمل بيديه صخرة عملاقة يرفعها من مجاري المياه. والجدير ذكره أن «يوتيوب» هو الموقع الأكثر نشاطاً لصنّاع السخرية السياسية في «السوشال ميديا»، إذ تتحول التصريحات والمقابلات المتلفزة في شكل سريع ولافت إلى مادة خام لإنتاج أفلام قصيرة تنتخب جملاً وعبارات يعلّق عليها بسخرية عبر استعمال أغان أو موسيقى أو تصريحات متناقضة.