في صدى لا يخفى لما شهدته تونس ومصر، شرع مثقفون عراقيون في إطلاق دعوات لتنظيم أشكال من الاحتجاج على سوء الأوضاع في بلادهم لجهة تراجع الخدمات، وما يصفونه بالحملات الهادفة الى تقليص مساحة حرية التعبير والحقوق المدنية. ووقّع عدد من الكتاب والمثقفين «نداء الانتفاضة العراقية الخضراء على «فايسبوك» من اجل الحقوق»، معتبرين انها «حركة مدنية تهدف الى توحيد الأصوات والمطالبة بالخدمات والحقوق وإصلاح الأوضاع المعاشية للعراقيين». وشددوا على ان «انعدام الحريات المدنية ومصادرة حقوق الشعب والاستئثار بالسلطة والاتجاه نحو الشمولية وإقصاء الكفوئين، يوجب على العراقيين جميعاً الكلام والمطالبة ورفع أصواتهم عالياً قبل فوت الأوان». وتتزامن هذه الدعوة على «فايسبوك» مع دعوة أخرى للتظاهر في شارع المتنبي (المكان الحي للثقافة العراقية، كتباً ولقاءات وحوارات ومنتديات) ستكون هي الثانية الجمعة المقبل، بعد ان كان الشارع ذاته شهد التظاهرة الأولى الجمعة الماضي، وفي الدعوة للتظاهر نقرأ: «أيها العراقيون الأحرار، أيها الوطنيون العراقيون، أيها التقدميون العراقيون، يا من عانيتم البؤس والاضطهاد، والتهميش والإقصاء، لقد آن الأوان لكي تنتفضوا وتزيلوا غبار الخوف والترقب وتنتصروا لإنسانيتكم ووجودكم وحريتكم. إنكم اليوم امام امتحان كبير، فإما ان ترتقوا الى مستوى الشعوب الحرة التي انتفضت على الدكتاتورية والتخلف، وإما ان تبقوا أسرى منظّري القرون الوسطى ولصوص وسارقي قوتكم اليومي». وفي تعليقات وإشارات مثقفين عراقيين على صفحاتهم عبر «فايسبوك»، نقرأ للشاعر حميد قاسم: «بعضهم يقول ان الوضع العراقي لا يتحمل شيئاً يشبه ما حدث في مصر وتونس، بسبب الظرف الأمني الذي قد يودي بالبلاد الى الهاوية مرة أخرى. هذا صحيح، لكن الوضع يستدعي أن نعتصم سلمياً في الشوارع كل يوم ضد قوى أمنية لا تحمينا من القتلة وتعتدي على حرياتنا وحقوقنا، وضد مسؤولين وسياسيين فاسدين، وضد البطالة والتزوير واللاكهرباء واللاخدمات... علينا ان نرفع اصواتنا حتى ترتعد فرائصهم... لاتخافوا، اللصوص عادة جبناء». وتكتب الصحافية منى سعيد الطاهر: «قبل قليل شاهدت بأم عيني ببغداد في حي المواصلات رجلاً ملتحياً يرتدي بذلة من دون ربطة عنق، يوزع منشورات، ويشير الى محل في الجانب الآخر من الشارع نفسه وينادي بأعلى صوته: هذا محل محظور لبيع الخمور بأمر من مجلس محافظة بغداد... يمنع التعامل معه. كنت في سيارة وفاتني التقاط صورة له أو اخذ نسخة من البيانات التي يوزعها. هذا الرجل كان يقف على مقربة من تل أزبال وفي شارع رئيس لكنه مليء بالمطبات والحفر. هذا هو همّ مجلس محافظة بغداد الرئيس حالياً: التحريض على بيع الخمور، أما بغداد، فلتغطها الأزبال ومياه المجاري الطافحة وعتمة انقطاع الكهرباء، هنيئاً لنا حكومتنا الرشيدة». وفي سياق متصل، ينتظم الشاعر سلام سرحان في حملة عنوانها «فصل الدين عن السياسة»، وفيها تتصدر دعوة مفادها «يدرك معظم العراقيين أن ولادة عراق ديمقراطي تزداد عسراً يوماً بعد يوم، رغم تزايد رغبة الغالبية العظمى في الخروج من الأزمات التي تعصف بالبلاد... وقد أصبح واضحاً أن كل الجهود المخلصة للقضاء على الإرهاب وكشف الفساد وإلغاء التمييز لم تصل إلى نتيجة حاسمة، ولن تصل ما دامت تتعامل مع نتائج المشاكل وليس جذورها». واستجابة للدعوة، يكتب الصحافي والناقد المسرحي ظافر جلود: «معكم من أجل مجتمع مدني، يسعى لعراق حر ديموقراطي معافى، يرنو باتجاه المعرفة والثقافة والفنون، ومكفول له حرية التعبير وحرية العبادة وتتساوى فيه الحقوق والواجبات». ومثلما تحول «ميدان التحرير» في القاهرة الى نقطة جوهرية في حركة الاحتجاج المصرية، دعت مواقع إلكترونية عراقية عدة، ومنها موقع «كتابات»، الذي تحول «مدونة الاحتجاج العراقية الاولى»، والآلاف من العراقيين عبر «فايسبوك» و «تويتر»، مواطنيهم العاطلين عن العمل والمثقفين والمسحوقين وخريجي الجامعات العراقية والعالمية، والأرامل والأيتام، الى «الخروج في تظاهرات عارمة يوم الجمعة 25 شباط الحالي في ساحة التحرير بوسط بغداد». ومن الشعارات التي تتوزع تلك المواقع: «ألا يكفينا صمتاً؟»، «ألا يكفينا صبراً؟»، «الموت لديموقراطية تحوّل السوء الى أسوأ»، «الموت لديموقراطية تجعل الناس غرباء في وطنهم وتزيد الغرباء غربةً»، «الموت لديموقراطية تغض النظر عن الحكومة السارقة للمليارات على أيدي وزرائها»، «الموت لديموقراطية تسرق البنوك وتقتل حراسها على أيدي دُعاتِها»، «الموت لديموقراطية الاغتيالات بكاتم الصوت»، «الموت لديموقراطية اغتالت أرقى العلماء والخبراء والأساتذة»، و «الموت لديموقراطية الجدار العازل السرطاني الذي مزّق جسد حبيبتنا بغداد». وتكتب الشاعرة والقاصة نضال القاضي: «هل هناك هاوية أخرى غير التي نحن فيها ومحسوبة علينا حياة؟ حسناً، يبدو ان احدنا له رِجْل في الجنة والاخرى تتدلى من فوق، إني اراها من هنا في الهاوية...! ينبغي ان يكون هناك موقف مثبت بالصوت وبالصورة إزاء كل ما نتعرض له». ويربط الكاتب والمسرحي هادي المهدي بين الدعوة للتظاهر و «عيد الحب»، لافتاً: «عيد الحب عيد المواطن العراقي في دولة الحق، لا دولة المسؤول اللص». وضمن «مجموعة بغداد لن تكون قندهار» نقرأ: «مطالبنا واضحة... اهدافنا موحدة... نحب وطننا ونريد أن نراه جميلاً... ان نريهم البديل الذي يجمعنا... نريد عراق الخدمات والحياة والكرامة... يسود فيه حق المواطن... لا المسؤول».