جنيف، لندن، دمشق - «الحياة»، أ ف ب، رويترز - ظهر أمس بوضوح حجم الهوة التي تفصل بين وفدي النظام السوري و «الائتلاف الوطني» المعارض في مفاوضات «جنيف 2» في اختتام جولتها الثانية أمس. ففي وقت أعلن وفد النظام على لسان نائب وزير الخارجية فيصل المقداد أن لقاءات جنيف التي تمت برعاية الموفد الدولي - العربي الأخضر الإبراهيمي فشلت في تحقيق أي تقدم، متمسكاً بموقف الحكومة في شأن أولوية «مكافحة الإرهاب» على مناقشة هيئة الحكم الانتقالي، قال «الائتلاف» على لسان الناطق باسمه لؤي صافي إن المفاوضات وصلت إلى «طريق مسدود». جاء ذلك في وقت أعلن النظام تحقيق قواته «تقدماً نوعياً» في اتجاه مدينة يبرود، في منطقة القلمون الاستراتيجية شمال دمشق حيث يتحصن مقاتلو المعارضة، الأمر الذي أثار مخاوف الأممالمتحدة التي ذكّرت حكومة دمشق بأن عليها واجباً قانونياً أن تسمح بمغادرة المدنيين المحاصرين في المدينة التي يقطنها ما بين 40 إلى 50 ألف نسمة. وسجّلت تقارير أمس حركة نزوح واسعة من هذه المنطقة في اتجاه الأراضي اللبنانية، ما يشير إلى مخاوف من أن «هجوماً وشيكاً» قد تتعرض له يبرود. ولوحظ أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أخذ موقفاً أكثر وضوحاً في دعم وجهة نظر الحكومة السورية من محادثات السلام في جنيف، رافضاً أن يتم التركيز فيها فقط على تشكيل هيئة حكم انتقالي، قائلاً إن الغربيين الذين يدعمون المعارضة هدفهم من المفاوضات «تغيير النظام». وكانت روسيا أعلنت مساء الخميس، وللمرة الأولى، استعدادها لتبني قرار إنساني في شأن سورية في مجلس الأمن مستخدمة تكتيك طرح مشروع قرار مضاد يخفض سقف مشروع القرار المدعوم غربياً ويسحب كل نقاط القوة منه. وقابلت السفيرة الأميركية في الأممالمتحدة سامنثا باور المناورة الروسية بإظهار التصلب، معتبرة أن «عدم صدور قرار بالمطلق عن مجلس الأمن إنما هو خيار أفضل من صدور قرار سيء وعديم الجدوى على الأرض». وأمام فشل محادثات جنيف في تحقيق اختراق ديبلوماسي، ونمو المخاوف الأميركية والإقليمية من نفوذ «القاعدة» في سورية، وأيضاً تشنج العلاقة الروسية - الأميركية، أطلقت واشنطن مراجعة لخياراتها في سورية. وأكد وزير الخارجية جون كيري، في تصريحات خلال زيارة للصين أمس، إنه سيصار إلى تقديم «لائحة خيارات» للرئيس باراك أوباما لوضع نهج جديد للمرحلة المقبلة. وتؤكد مصادر موثوقة ل «الحياة» أن هناك إدراكاً ضمنياً بفشل الاستراتيجية الحالية، وتنامي حجم الأزمة في سورية داخلياً وإقليمياً. وتشير إلى أنه من وجهة نظر الإدارة «ليست هناك خيارات جيّدة اليوم لسورية بالنسبة للولايات المتحدة... واللائحة تتراوح اليوم بين احتواء ما هو سيء وتفادي السيناريوات الكارثية» مثل تفكك سورية أو سيطرة «القاعدة» على جزء محوري من البلاد. وتشير المصادر إلى أن المعطيات الحالية من جنيف والمخاوف من نمو نفوذ «القاعدة» فرضت المراجعة الجديدة. وتقول إن «الإدارة بدأت إرسال أسلحة خفيفة للمعارضة المعتدلة وتدرس خطوات ديبلوماسية لزيادة الضغط على روسيا وإيران». وتؤكد المصادر أن «واشنطن ترى بوضوح تصعيداً إيرانياً في المنطقة بغض النظر عن المفاوضات النووية (الجارية معها). كما أن واشنطن خاب أملها من اللاعب الروسي، ومن هنا فإنها تعيد النظر في خياراتها في سورية». وكان الملف السوري في صلب محادثات أجراها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في وقت متقدم ليل أمس مع الرئيس باراك أوباما في ولاية كاليفورنيا. وأفادت مصادر مطلعة تحدثت إلى «الحياة»، قبل الاجتماع، بأن العاهل الأردني سيحض الجانب الأميركي على انخراط «ديبلوماسي» أكبر في المنطقة، وفي ملفات محورية من مصر إلى سورية. ولاحظت أن الزيارة التي تتزامن مع المراجعة الأميركية حول سورية تؤسس لمظلة «تنسيق اقليمي» أقوى في الملف السوري، ودور أميركي أكثر حيوية في المنطقة. وبالعودة إلى مفاوضات «جنيف 2»، عقد الإبراهيمي لقاءات مع وفدي الحكومة و «الائتلاف» كلاً على حدة، لكنها لم تسفر عن تحقيق اختراق. وقال ديبلوماسي غربي مطلع على مسار المفاوضات: «لا أعتقد ما إذا كان الجمعة هو اليوم الذي نحقق فيه تقدماً أو نتوقف، لكن الأكيد أنه سيكون اختباراً كبيراً لمعرفة ما إذا كان هذا المسار سيمضي قدماً أم لا». وأضاف أنه «إذا كان يوم الجمعة سيئاً، فالآفاق ستبدو قاتمة أكثر مما كانت عليه قبل أسبوع». وأشار إلى أن المفاوضات وصلت إلى «حائط مسدود، ولا أعرف ما إذا كنا سنتخطاه أم لا». وأضاف: «إذا فشل الوفدان في الاتفاق على جدول أعمال، لا أعرف ما إذا سيدعو الإبراهيمي إلى جولة ثالثة». جاء ذلك بعدما تحدثت مصادر المعارضة عن احتمال الدعوة إلى جولة ثالثة من دون تحديد لذلك. وقال مسؤول أميركي كبير إن وفد الحكومة السورية كان «يراوغ في كل خطوة على الطريق» في محادثات السلام في جنيف وإن واشنطن تتوقع من روسيا أن تضغط على دمشق للانخراط بجدية في محادثات السلام. وقال المسؤول: «نأمل ونثق في ذلك لأن الروس يعتقدون في حل سياسي... حل ديبلوماسي... إنهم سيحضون النظام على الانخراط (في المحادثات) بطريقة جادة وبناءة وهو ما لم يقم به النظام بعد».