قد ينسى المرء حقيبة أو مجلة أو جهاز كمبيوتر محمول أو جوالاً أو علبة ماكياج أو محفظة، ولكن لا أتصور أن بالإمكان نسيان إنسانة من لحم ودم (كُلّف) أحدهم أن يوصلها بيده الكريمة إلى موظفة أخرى في بلد آخر، خصوصاً لو كانت المرأة المسافرة من ذوي الاحتياجات الخاصة (صماء وبكماء)، ولأنها غريبة أيضاً، ولأنها تسافر للمرة الأولى خارج المملكة، ولأن معها طفلها الصغير أيضاً. عندما قرأت الخبر بعدما تسلمته من الزميل نبيل المعجل كمقال على موقعه، والذي أسماه طاش ما طاش بين فيينا وميونخ، اعتقدت أنه موضوع خيالي، ولم يدر بخلدي مطلقاً أنه حدث على أرض الواقع على رغم أن هناك مؤشرات بالغة الأهمية، منها عدم الرد على رسائله وانتظاره الذي طال ولم يصله الرد ولن يصله بالطبع... وُحّل الموضوع لأن شخصاً ما يعرف الكابتن وقام بالاتصال به عن طريق إرسال برقية عاجلة، وعرف فيها أن المرأة ظلت في الطائرة وفي طريقها إلى ميونخ... ولا تعليق يليق! كل شيء في الدنيا جائز... قد تجد أيها القارئ جدتك صاحبة الستين ربيعاً تعمل كمندوبة مبيعات أو بائعة في محل، وقد تتلقى اتصالاً من مؤسسة ما تخبرك بأنها مخيرة بين أن تستقيل من عملها (كمندوبة مبيعات)، وبين عدم تمكينها من تسلم ضمانها الاجتماعي على رغم أنك متأكد أنها لم تتقدم يوماً ما للعمل لا كمندوبة مبيعات ولا بائعة في محل... وعليك أن تصحبها لتنفي عن نفسها هذه الوظيفة التي حلت عليها من حيث لا تعلم، ولا تحتسب والتي منحتها أيضاً الشهادة الابتدائية (هدية) في وقت لا يجد فيه الشباب عملاً فعلياً على أرض الواقع... والحقيقة إن ما حدث أجاب عن تساؤلاتي بشأن السبب الحقيقي لبعض إعلانات الشركات التي تشترط على المتقدم من ضمن شروط التوظيف ألا يكون مسجلاً في التأمينات الاجتماعية... عام مضى على هذا الوضع والوضع حتى اليوم معلق كما رواه ابن السيدة الموظفة... ولا تعليق يليق! والمفترض أن تلزم الشركة صاحبة التوظيف الوهمي بدفع الرواتب التي كانت السيدة ستتسلمها من الضمان الاجتماعي بأسرع وقت ممكن، وأن تعاقب على عملية التزوير الوهمي... الأمر لا يتعلق بهذه الحال فقط، بل تتعلق بحقوق كثيرة لكثير من الرجال أيضاً، وربما بعض النساء لأن تسجيلها كموظفة سيحرمها من نصيبها في راتب زوجها التقاعدي، أيضاً في حال وفاته (لا سمح الله) المسألة مسألة حقوق يجب أن تُرد إلى أصحابها مع تعويض عن الوقت والجهد والانتظار والاحتيال أيضاً، وما دمنا نشهّر بالمزوّرين فهذه الشركة أولى! وما زلت أشعر بإحباط شديد بعد قراءتي لتعليقات الناس بعد كل خبر، لأن البعض يرى أن المهم أن المسافرة وصلت، وليس لأهلها حق في المطالبة بالتعويض... لأنهم غلطانون، فهم سفروها من دون محرم، وهي بهذا الوضع! والذي أعلمه جيداً أن هذه الخدمة متوافرة على كل خطوط العالم وكل الأمانات تصل بسهولة ويسر محاطة باهتمام بالغ أيضاً. والبعض يرى أن الأم (المسنة) لا يحق لها التعويض بعد معاقبة المخطئ لأنها لم تتضرر في شيء... وكأن العام الذي مر عليها وهي موظفة من دون أن تعلم والذي يحتوي على مخالفات عدة مجتمعة (غير ذات أهمية وبإمكانها أن تنسى الموقف بأكمله)، فالأهم في نظرهم هو تصحيح الوضع، وكثّر خير الجميع... أحياناً وبعد نوبة إحباط عارمة أشكر الله كثيراً على نعمة النسيان (نسيان التعليقات)، وما جاورها، لأنها تثبت لي أننا فعلاً نعيش في أحد كواكب العالم التي ترى الحقوق الإنسانية الأساسية والأولية والبديهية (لا تحتاج التكبير) وأن المطالبة بالتعويض عيب كبير، لأننا نؤمن بحكمة تقول: (جلَّ من لا يسهو)!. [email protected]