فجأة تعالت صيحات تمتزج فيها النعومة بنبرات حادة، ما القصة؟ إنها القصة ذاتها.. يبدو أنه شجار بين طالبتين إحداهما «محتسبة»، حوار مقتضب وقصير ربما بات مكرراً بين الطالبات في جامعات سعودية. آمرات وناهيات يمارسن الاحتساب في جامعات سعودية، أحياناً يكن طالبات وأحياناً أخرى ربما يكنّ موظفات، على رغم أن قوانين الجامعات السعودية صارمة في خصوص الملابس المحتشمة والألوان الداكنة. هذه تحتسب على إحداهن بسبب حاجبيها، وتلك تحتسب احتساباً عاماً، مذكرة بأهوال القيامة والنار التي تنتظر المقصرات والعاصيات، حتى إن بعض الطالبات بتن يعتقدن بأن الصادحات بالنصح، سواء أكن «سمحات» أم «غليظات» متعاونات مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهل هذا واقع؟ هل هي ثقافة جديدة أم هي ثقافة قادمة من مدارس التعليم العام، أم هو النضوج الذي يرافق المرحلة السنية الجامعية الذي يساعد في انتشار ظاهرة الاحتساب. في المقابل، نفذت في جامعات سعودية برامج احتساب منظمة من خلال الأندية والأنشطة اللاصفية، حتى وصل الأمر بالبعض إلى الدعوة إلى إيجاد «لجان احتسابية داخل الجامعات»، وهو ما يطرح سؤالاً مهماً: «هل الوضع في الجامعات يستدعي وجود محتسبات؟». على هامش اليوم الجامعي، وفي غضون الدقائق التي تفصل المحاضرات عن بعضها، هناك من يمشي في ممرات جامعات سعودية «محتسباً»، ليسوا رجالاً، بل طالبات أيضاً وجدن في الأماكن المزدحمة بالطالبات ليمارسن الاحتساب، وكأنهن منتدبات من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. المشكلة ليست في تصيد أخطاء الآخرين أو الأخريات، بل في الغلظة التي يتبعنها في «النصح»، والتي قد تتسبب أحياناً في مشادات بين الطالبات تعلو بعدها الأصوات. أروى محمد تذكر قصة لها مع إحدى المحتسبات في أحد جامعات الرياض تقول: «بينما كنت أنتظر زميلتي، أتت إحدى المحتسبات، وبدأت في نهيي بغلظة عن العبث بالحواجب، وبدأت تذكر لي بأسلوب تهديدي حكم قص الحواجب، وتطرقت بعدها إلى عذاب القبر والنار». وما كان من أروى التي شعرت بالضيق من سلوك «المحتسبة»، إلا أن نهرتها عن التعامل معها بهذه الطريقة، «ضايقتني طريقة نصحها حتى اضطررت إلى رفع صوتي والصراخ عليها لتبتعد». ولا تقتصر عملية الاحتساب في الجامعة على طلبة الأقسام الدينية كالدعوة والشريعة والدراسات الإسلامية، فهناك طلاب من تخصصات مختلفة كما تذكر إحدى الطالبات (فضلت عدم ذكر اسمها)، أن إحدى قريبتها طالبة في قسم المحاسبة، وتمارس الاحتساب على طالبات كليتها وتذكرهن بأهوال يوم القيامة والعذاب في الدنيا قبل الآخرة. هذه التصرفات «الاحتسابية» بعثت انطباعاً لدى بعض الطالبات بأن «المحتسبات» موظفات أو متعاونات مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا أن المتحدث الرسمي لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تركي الشليل نفى أية علاقة لجهاز الهيئة بهن وقال: «لا توجد في جهاز الهيئة وظائف نسائية ولا متعاونات، ولا علاقة للهيئة بالاحتساب في الجامعات، ويجب على إدارة الجامعات متابعة الموضوع». ويعبر خالد عبدالله الطالب في كلية الاقتصاد في جامعة الإمام محمد سعود بالرياض عن انزعاجه من الطلاب المحتسبين «هناك بعض المضايقات من الطلاب المحتسبين». ويضيف أن منهم من ينصح بطريقة منفرة بل مستفزة، «لكن في شكل عام هناك نماذج جيدة تنصح بأسلوب لبق، وهناك عكسها تماماً تشوه صورة الدين». ويرى المستشار الإعلامي لمدير جامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور عبدالرحمن نامي، أن مثل هذه التصرفات نوع من العمل التطوعي وقال: «أتوقع أن غالبية الطلاب ينمو لديهم حب الخير والتطوع وحب الأعمال التطوعية والأنشطة، وعملية النصح والإرشاد هي جانب من الجوانب التطوعية، ولا أعتقد أن بها مضايقة لو أتى أحدهم وذكر الطلاب بإقامة الصلاة وغيرها بالعكس هي كلمة طيبة، لكن لا أعتقد أن أحدهم سيتجرأ بالفتوى». ويعتقد نامي الذي يؤيد الأعمال التطوعية، سواء كانت دينية أم غيرها أن هؤلاء المحتسبين «يعودون أنفسهم على العمل التطوعي، بشرط أن تؤخذ على جانب العمل التطوعي، وليس على جوانب أخرى». وأكد عدم اطلاعه على أي من هذه التصرفات داخل الجامعات «لا أعرف أي شيء عن عملية الاحتساب في الجامعات، وأنا أنظر لها على أنها جانب تطوعي»، مؤيداً مثل هذا النوع من العمل «لكن يجب أن يكون تحت إشراف، وأعتقد أنه يتبع شؤون الطلاب والأنشطة الطلابية، لكي تصبح للطلاب مرجعية».