«أسد الحسبة» لقب أطلقه عدد من الشباب المتحمس لشعيرة الاحتساب والامر بالمعروف والنهي عن المنكر في عدد من مواقع «الانترنت»، وذلك من باب الاعجاب والافتخار بأحد المشايخ الذي يعمل استاذاً في جامعة الإمام محمد بن سعود، ومنبع ذلك الإعجاب والافتخار هو شعورهم بالعزة لوجود عَالِم بين ظهرانيهم يصدع بكلمة الحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو لتشجيع ودعم القائمين بتلك الشعيرة في زمن تخاذل الكثيرون من طلبة العلم والدعاة، من وجهة نظرهم، للقيام بدورهم، فقد عرف ذلك الشيخ أخيراً بدوره في القيام بشعيرة الاحتساب باللسان والبيان من خلال الكثير من الاطروحات والبيانات والمشاركات، ولقد استمعت ذات مرة له لقاء عبر برنامج «البال توك» في «الانترنت» وهو يقرر قضية ضعف جهود بعض المشايخ وطلبة العلم وخطورة التغير والانقلاب الحاصل في أفكارهم، وبشر المستعمين حينها انه وبرغم كل تلك الظروف فإن العمل الاحتسابي المنظم قد بدأ منذ سبع سنوات، وانه يوجد في مدينة الرياض وحدها عدد من اللجان للقيام بتلك الشعيرة، وأن الامر يتسع شيئاً فشيئاً، مشيراً إلى ان تلك التحركات لا ترتبط بشخص معين بل هي توجه وتيار قائم. داعية وعالم آخر، هو الأبرز والأشهر على الساحة الصحوية بلا منازع، بيّن عبر كلمة عامة ألقاها لمئات من تلاميذه وطلابه أثناء معرض الكتاب الدولي، أن مفهوم الاحتساب يبدأ من صغائر المنكرات وينتهي بالكبائر، وحذر من خطأ قصر الانكار على جهة معينة «كهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وحث على إنكار المنكرات العامة كافة، كمخالفات معرض الكتاب والدعوة لدور السينما وغير ذلك، ودعا لمصطلح جديد سماه «تطبيع الاحتساب»، بحيث يصبح كل مسلم يمارس شعيرة الاحتساب، وحتى يستنهض الشيخ همم أولئك الشباب المتحمسين للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حكى لهم قصة، لا أدري هل هي من واقع الحياة ام من نسيج خياله، مفادها أن طفلة لم يتجاوز عمرها العاشرة استطاعت ان تلغي مهرجاناً غنائياً في احدى المناطق، وذلك بعد ان هاتفت أمير تلك المنطقة وأنكرت عليه إقامة تلك المنكرات في تلك المدينة الفاضلة! وكررت مرة اخرى إنكارها حتى استجيب لها وتم إلغاء المهرجان الغنائي لمجرد إنكار طفلة، فلا يحقرن احدكم من المعروف شيئاً! لاشك ان وتيرة الاحتساب التطوعي من الشباب المتحمس تصاعدت في الفترة الماضية بفضل التوجيهات والدعوات المحفزة للقيام بالواجب الشرعي، وآخر ما سمعناه وشاهدناه هو ذلك التحرك التطوعي لإنكار عرض «فيلم مناحي» في مركز الملك فهد الثقافي، إذ لم يملّ او يكلّ أولئك الشباب من الإنكار والاحتساب، وعلى مدى ثلاثة ايام متواصلة، وكذلك ما شهده قبل معرض الكتاب الدولي. لقد شهدت الكثير من الصحف في الايام الماضية العديد من التصريحات التي ادلى بها في غير محفل كل من الرئيس العام لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووكيل الرئاسة والمتحدث الرسمي، بشأن التأكيد على رفض الهيئة ونفيها لتوظيف متعاونين ومتطوعين للعمل الميداني واكتفاء دورهم بالإبلاغ فحسب. تأتي مثل تلك التصريحات في ظل تفاقم التصرفات التطوعية الاحتسابية الطائشة من هنا وهناك، التي باتت حديثاً لوسائل الإعلام، وعن مدى علاقتها برجال هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ اكتفت الرئاسة العامة توضيحاً لذلك الهرج والمرج بمجرد النفي عن وجود متطوعين يعملون في الميدان، ولا جديد في مثل هذه التصريحات، فقد كررتها مراراً وتكراراً منذ سنوات عدة، ولكن ومع تفاقم وتجرؤ اولئك الشباب المتحمس على انتهاك الانظمة والقيام بدور رجال الهيئات، فإننا لم نشهد او نسمع من الرئاسة العامة للهيئات تخطئة أو تجريماً عن تلك التصرفات الشبابية الطائشة، والسعي والمطالبة بمحاسبتهم قانونياً بصورة علنية، وذلك على الاقل من اجل المحافظة على سمعة الجهاز أمام أفراد المجتمع وأمام وسائل الإعلام. إن القيام بالثقافة الاحتسابية التطوعية من كل أحد جزء أصيل في ثقافتنا، ومهما صرحت الهيئة أو نفت عن وجود متطوعين يمثلونها فإن تلك التصريحات لا تكفي مطلقاً لحل تلك المشكلة، فالرئاسة العامة لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تحث وتقر الثقافة الاحتسابية التطوعية بصورة او بأخرى، فبنظرة للموقع الالكتروني الرسمي للهيئة، الذي تم تحديثه وتطويره أخيراً يحوي الكثير من الابحاث والدراسات المختصة في تأصيل شعيرة الاحتساب في المجتمع، ومن تلك الدراسات أطروحة علمية لنيل درجة الماجستير بعنوان «الصفات الخاصة بالمحتسب»، دراسة تطبيقية على منسوبي مراكز هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد تم تقديمها في جامعة الامام محمد بن سعود لعام 1429ه في قسم الدعوة والاحتساب، وكان مما جاء في احد المباحث المتعلقة بالفرق بين المحتسب الرسمي والمحتسب المتطوع، ان المحتسب المتطوع لا يتقيد احتسابه بنطاق محدد، فهو يؤدي واجبه في كل مكان وزمان يوجد منكر ظاهر له، وأن المحتسب المتطوع لا يشترط له البلوغ فله الاحتساب ولو لم يكن بالغاً، وان للمحتسب المتطوع التعزير، ليس بالسوط ونحوه، فهو خاص بالمحتسب الرسمي، ولكن له التعزير بالنظر والعبوس وبالكلام العنيف وبتغليظ القول ونحو ذلك، هذا بخلاف الكثير من الفتاوى الصادرة من عدد من العلماء المعتد برأيهم التي تحث عموماً على العمل الاحتسابي التطوعي ضد المنكرات. إن تلك الثقافة الاحتسابية التطوعية المدعومة برأي العالم والداعية هي التي تدعو المئات من الشباب للقيام بألوان وصور متنوعة من العمل الاحتسابي، لا سيما ما ينتاب أمثال هؤلاء من شعور بقصور وضعف لدى الجهة الرسمية المخولة بإزالة المنكرات وعدم قيامها، من وجهة نظرهم، بالواجب الشرعي المناط بها، هذه الثقافة بشكلها العبثي لا أظن ان القائمين على رئاسة الهيئات بمقدورهم حتى اللحظة مواجهتها او التصادم معها، وذلك لما ستتركه مثل هذه المواجهة من عدد من الامور، من أهمها وأخطرها الاتهام لها بالضعف والتخاذل تجاه إنكار المنكرات، بل والاتهام بمخالفة ما شرعه النبي «عليه الصلاة والسلام» من وجوب إنكار المنكر على كل مسلم كل بحسبه، ولكن يجب ان يوضع في الحسبان ان التغاضي عن مثل تلك التصرفات، وغض الطرف عنها، والاكتفاء بمجرد نفي انتسابها، سيزيد من اتساعها وانتشارها، لذلك اصبح من اللازم، قبل ان يتسع الخرق على الراقع، ان تقوم الهيئة وكذلك الجهات المسؤولة الأخرى بدور حقيقي لوقف ذلك الاندفاع، وكذلك حث امثال اولئك الدعاة، الذين أشرت اليهم في بداية حديثي عنهم، على ايقاف دعمهم المعنوي المؤيد لتلك الممارسات التي لا يشك احد بمخالفتها للانظمة والقوانين العامة. [email protected]