شهدت فعالية «فن جدة 21.39» أولى مبادرات المجلس الفني السعودي حضوراً لافتاً لعدد من الفنانين ورجالات الأدب والثقافة والمقتنين في معرضي «معلقات» و«الماضي كمقدمة»، اللذين افتتحتهما الأميرة جواهر بنت ماجد في مركز قولد مور بمدينة جدة أخيراً. وقالت منسقة معرض «معلقات» آية علي رضا: «مفهوم المعرض يتناول الكلمة كصيغة تعبير تغيرت منذ عصر المعلقات، ويثبت بأنها موجودة على رغم التغير في تاريخ الكلمة وسياقات استخداماتها، وأسلوب حياة ونمط تفكير وثوابت ثقافية لم تندثر، بل توارثت جيلاً بعد آخر، ولا يزال صداها يتردد في أعماق الفنانين والفنانات». وضمّ «معلقات» الذي سيستمر لشهرين أعمالاً معاصرة ل20 فناناً، إذ قدمت الفنانة التشكيلية منال الضويان عملها التركيبي «شجرة الذاكرة»، وبدأت بسؤالين متى تختفي المرأة من الذاكرة؟ وما هو النسيان المتعمد؟ فمن خلال بحثها المستمر لحال الاختفاء والنسيان المتعمد وورش العمل المتوزعة في المملكة، اكتشفت أن الجيل التاسع هو أقصى جيل استطاعت الذاكرة المحلية الوصول إليه بسبب القصص المحكية، ما أوصلها إلى الحل العكسي، وهو ضرورة التدوين وحفظ الذاكرة للحفاظ على الهوية الذاتية. وقدمت مؤسسة المنصورية أعمالاً مقتناة سابقة تتناسب مع مفهوم المعرض، وشاركت بعمل «روابط وثيقة» للفنان التشكيلي أيمن يسري، وعمل «جسد آخر» للفنان التشكيلي فيصل سمرة، وعمل «طاولات مدرسية» للفنان التشكيلي مهدي الجريبي، الذي أكد ل«الحياة» أن هذا العمل لا يموت بمضي الزمن، بل مقاوم للاندثار، «العمل يحمل التصور الفلسفي لمفهوم بقاء الأثر واستحضار الذاكرة الجماعية، ويشكل امتداداً لفكرة الفنان في تصدر المحتوى كغاية أولى بعيداً عن تكريس الشكل». وعرض الفنان صديق واصل مجسمات حديدية للأحرف الأبجدية، وجاءت تجربة الفنان ناصر السالم الواقع تحت سيطرة الرقم 7 مثيرة وجعلته يقوم برحلة استكشافية، تستبطن أسئلته عن نشأة الكون في إنتاجه الفني «في فلك يسبحون»، وأخرى تأملية في تمردها على مدرسة الخط القديمة في «إن كل شيء خلقناه بقدر». وحضرت الفنانة جوهرة آل سعود بعمل «سلسلة العقد» التي تمثل تقصٍ وكشف عن المناطق الواقعة بين التصوير والرسم، والأماكن الخاصة والعامة، والتمثيل والتجريد، والستر والكشف، وسواء كانت تسمو أم تتجاوز الحدود، فإن المسألة تتعلق بالخطوط التي نرسمها، والفضاءات التي تترك بينها، فيما وزع الفنان مساعد الحليس عملاً تركيبياً أسماه «الخشب المقدس»، من طريق اختزاله لظاهرة الهندسة المعمارية عالية التعقيد في أعمال مبسطة ثنائية الأبعاد، تشير إلى حضارات القباب المختلفة. وركز عمل «الأرض الخالية» للفنان التشكيلي أحمد ماطر على حركة الهجرة في الجزيرة العربية إلى المدن، مشيراً إلى أن السعي وراء الموارد الطبيعية الثمينة أدى إلى حركة تمدن مشابهة، وتدمير البيئة الأصلية والقضاء على قيمها الجميلة، فيما قدمت الفنانة دانا عورتاني عملها «الاستشراق» لتوضيح مدى هوس المجتمع بكل ما هو جديد، وما ترتب على ذلك من تراجع هائل في المعرفة بالتراث والثقافة. وشاركت الفنانة التشكيلية شادية عالم بعمل في فن الفيديو أسمته «سحابة المعلومات»، وآخر «كوكبة زهور الرمل»، لتؤكد من خلالهما أن القديم لا يزول، بل يبقى مخزوناً كثيفاً يطفو في الذاكرة الجمعية، وينتقل في تكويننا العقلي والشعوري ليتداخل وينصهر ويتجدد ويفرز إلى لغات تعبيرية أخرى. وبرزت الفنانة التشكيلية مها ملوّح بعملها «غذاء للفكر»، إذ يظهر عملها على الأشياء والكائنات واهتمامها بالفرق بين الثقافة المحكية والبصرية، وكمحاولة منها للتصالح مع تحولات المعاصرة، جاءت هذه القدور لتتحدث عن تجدد بحثنا الخاص بآثار تراثنا البصري وثقافتنا المادية التي ظلت مستنيرة في ظل إرثنا الأدبي لزمن طويل، بينما حضرت الفنانة رائدة عاشور وكذلك عبدالعزيز عاشور بأعمال لونية، وأسمت الفنانة التشكيلية تغريد البقشي عملها الجديد «انتظرتك لكن لم تأتِ»، والفنانة غادة الربيع أعطت محاكاة أخرى بعمل «الجاهلية المعاصرة»، وأشارت الفنانة عفت فدعق في عملها «وصايا» إلى ظاهرة توريث المعرفة وتمرير الحكمة من جيل إلى جيل، فيما تساءل الفنان محمد الخطيب عن الأبدية أثناء توثيقه لصورة فوتوغرافية «لمدخل بيت الجخدار».