أكدت الاختصاصية النفسية هادية برك الله في مداخلة في إحدى الإذاعات الخاصة أن نحو 13 حالة زنا محارم لجأت خلال العام الماضي إلى مراكز الصحة الإنجابية، بعد حملهن وبلوغهن مراحل متقدمة. وأوضحت أن هؤلاء الفتيات المتضررات يفضلن اللجوء إلى مراكز إيواء بسبب عدم تمكنهن من التخلص من الحمل، علماً أن هذا الرقم يتعلق فقط بمحافظة سوسة في الساحل التونسي. «الرقم مفزع من دون شك ومقلق ويدعو للتوقف عنده بكثير من التأمل والتحليل»، تقول سكينة (25 سنة). وتضيف: «صديقتي الأقرب إلى قلبي تحمل من والدها، نعم اعتداء أول وثانٍ فثالث فمعاشرة شبه يومية لأب تحول إلى ذئب لا يرتوي من نهش جسد ابنته وامتصاص دمها». تنتاب سكينة «نوبة» من البكاء والأنين وهي تتحدث عن صديقتها التي حاولت الانتحار مرات لكنها فشلت، لتواصل مواجهة واقع مر ومستقبل مظلم وسط مجتمع لا يرحم وربما يحملها الوزر كله. تسرد سكينة: «حملت (ن) من والدها الذي بمجرد أن علم بذلك ترك البلاد ورحل بعيداً من دون أن يعلم أحد أين استقر، وهل أنه حي أو ميت. هرب تاركاً ابنته - ضحيته في مهب الموت اليومي». هذه الحكاية لها أمثلة كثيرة وبأوجه شتى، حيث تمكنا بعد جهد ومحاولات جمة من الحصول على شهادة إحدى ضحايا هذا الفعل الذي تقشعر له الأبدان وتذبل أمام هوله الأنفس. الشابة (كوثر) التي قبلت التحدث إلينا لم تتجاوز ال18، وكانت لقمة سائغة لخالها الذي من المفترض أنه في مقام والدها أو أخيها الأكبر، لكنه استغل صغر سنها وثقتها به وإقامته في بيت أخته (أم الضحية) ليفترس طفولتها ويضعها أمام مصير كارثي. تقول كوثر: «بدأت الحكاية في إحدى ليالي الصيف الماضي حين وصل خالي في ساعة متأخرة، وبمجرد دخوله وجدني نائمة في باحة المنزل في لباس قصير، وصحوت على صوته ولمساته مستغلاً نوم الجميع، وضع يده على فمي وداعبني في أماكن حساسة في جسدي وأمام إصراري على صده انسحب إلى غرفته. وفي صباح اليوم التالي اقترب مني واعتذر فحسبت أن الأمر انتهى وقتذاك، لكنني فوجئت بعدها بيومين فقط وهو يقتحم علي الحمام وكان الجميع خارج البيت وسحبني بقوة وألقاني أرضاً وعلى رغم توسلاتي ومحاولاتي لم أفلح في منعه، ونال مني ما شاء». وتواصل كوثر: «أمام هول ما حدث لم أتمكن من فتح فمي أو الحديث لأي كان بمن فيهم والدتي فمن سيصدق أن خالي اِغتصَبَني؟»! وتضيف: «بعد فترة أخذ يعاشرني معاشرة الأزواج وتفطنت لحملي بالصدفة. وهنا كانت الكارثة حيث لفظني الجميع ولم أجد إلا مركز الإيواء الذي التجأت إليه إزاء عدم قدرتي على تحمل مصاريف الإجهاض، وبعد أن أعتقل خالي وأحيل على القضاء». تختلف الأسباب والنتيجة واحدة يقول الاختصاصيون في علم النفس إن الأضرار الناجمة عن زنا المحارم تختلف باختلاف الأعمار وبحسب العلاقة بالجاني والسن أيضاً، إذ يختلف التأثر بين الفتاة الصغيرة والمرأة الناضجة، لأن مع الأولى هناك انتهاك لبراءة الطفلة يرافقها الشك طوال حياتها في كل من تتعامل معهم. وإذا لم تحصل على العلاج المناسب في سن معينة فإن هناك احتمالاً قوياً بأن تصبح «باغية»، أو تهرب من بيت العائلة وتدخل الاِنحراف من الباب الكبير. كما تختلف الآثار الناتجة من زنا المحارم بحسب العلاقة بين الجاني والضحية، وذلك من جانب عمق هذه الآثار والمدى الذي تستغرقه. فالآثار التي تنجم عن علاقة طرفيها الأب والابنة تتعدى الآثار المترتبة عنه من شعور بالوحدة والإحساس بالذنب والخزي والعار والضياع إلى قابلية المرض خصوصاً القلق الجنسي، تصل حد التفكير في الانتحار أو الإقدام عليه فعلاً. وعموماً، تؤكد الدراسات أن زنا المحارم يؤدي غالباً إلى نتائج مدمرة للفرد والأسرة والمجتمع. أما الاختصاصيون في علم الاجتماع فيرون أن زنا المحارم ضرب من ضروب الانحراف الجنسي والمقصود هنا الرغبة الموجهة إلى الاتصال الجنسي بأحد الأبوين أو الإخوة والأخوات، ويتعامل معه المجتمع باستهجان ونفور. وفي رأيهم أن حالات إنجاب كثيرة خارج إطار مؤسسة الزواج وما يسمى ب «الأمهات العازبات»، يعتبر أرضية خصبة لتزايد أعداد حالات زنا المحارم. وإذا كانت الأرقام هذه الحالات لا تبدو مرتفعة في تونس، إلا أنها تدق ناقوس الخطر وتدعو إلى جدية كبيرة في التعاطي مع هذا الملف الخطير والشائك.