يعتقد محللون ان جماعة انصار «بيت المقدس»، التي أعلنت مسؤوليتها عن سلسلة هجمات قاتلة في مصر، اصبحت أكبر خطر يهدد الاستقرار في البلاد، التي تعصف بها اضطرابات سياسية منذ الإطاحة بالرئيس الإسلامي محمد مرسي مطلع تموز (يوليو) الفائت. وأعلنت الجماعة التي تتحرك من سيناء مسؤوليتها عن أكثر الهجمات قوة وتأثيراً خلال الأسبوعين الماضيين. وتضمنت تلك الهجمات الهجوم بسيارة مفخخة على مديرية أمن القاهرة، وإسقاط طائرة مروحية عسكرية بصاروخ في سيناء، واغتيال لواء كبير في الداخلية في وضح النهار في العاصمة القاهرة. وتوعدت هذه الجماعة بمزيد من الهجمات، وحذرت في بيان بأن «القصاص قادم»، مخاطبة وزير الدفاع المصري المشير عبد الفتاح السيسي الذي من المتوقع أن يترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة بعدما قاد عملية عزل مرسي. ويقول دافيد بارنيت، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات وهي مؤسسة بحثية مقرها الولاياتالمتحدة إن هجمات التنظيم جعلت «السلطات المصرية تبدو وكأنها تطارد أشباح». وأضاف بارنيت لوكالة فرانس برس «انه التنظيم المسلح الرئيسي الذي لديه القدرة لمفاقمة حال عدم الاستقرار في البلاد». ويقول محللون إن «بيت المقدس» تستلهم خطى تنظيم القاعدة، لكن مسؤولاً أمنياً مصرياً قال إن بيت المقدس «منبثقة من جماعة الإخوان المسلمين». ويعتقد أن تنظيم «بيت المقدس» جرى تكوينه في شكل مبدئي إثر الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك في 2011، بمقاتلين غالبيتهم من بدو سيناء. لكن الخبراء يقولون إن الأشهر الماضية شهدت انضمام آخرين من مدن دلتا النيل والقاهرة. ويحيط الغموض بتكوين «بيت المقدس» ومصادر تمويله، لكن عرف اثنان من قياداته هما شادي المنيعي المنتمي لقبيلة السواركة في سيناء وهو لا يزال قيد الملاحقة، والآخر أبو أسامة المصري والذي لا تتوافر عنه معلومات واضحة. ويُعتقد أن عدداً كبيراً من الجهاديين الذين هربوا خلال عملية اقتحام السجون اثناء الثورة على مبارك انضموا للجماعة. وتستخدم «بيت المقدس» كثيراً من مقاطع الفيديو التي يطلقها زعيم تنظيم القاعدة ايمن الظواهري المصري الأصل والمولد. ويعتقد الباحث بارنيت أن «صلات بيت المقدس بالإخوان ضعيفة، وما هو أكثر مدعاة للقلق أن يكون بيت المقدس أكثر من مجرد تنظيم مستلهم من القاعدة». كما يقول الباحث إسماعيل الإسكندراني، المتخصص في شؤون سيناء، إن «بيت المقدس تحرص على إظهار وجود تلك العلاقة مع القاعدة ولو فكرياً على الأقل. هم يحاولون صنع سمعة أقوى لهم». وأوضح ماثيو جودي، الخبير في شؤون المتشددين الإسلاميين، أنه حين جرى تأسيس «بيت المقدس» كان «الهدف الرئيس وقتها مهاجمة إسرائيل ومنع التعاون بين مصر وإسرائيل عبر تخريب خطوط الغاز». ويقول الخبير ماثيو إن «في الثالث من تموز (يوليو) -يوم الإطاحة بمرسي- اصدرت الجماعة فتوى تعلن تكفير الجيش المصري. ومن هنا، تحوّلت من مجموعة جهادية ضد إسرائيل لمجموعة تناصب الجيش المصري العداء». وخلال الأشهر القليلة الماضية، بدأ بيت المقدس بتنفيذ هجمات في قلب القاهرة والدلتا، بعد أشهر من سلسلة هجمات في سيناء خلفت أكثر من مئة قتيل في صفوف الأمن. وبدأ مسلسل العنف بعيداً من سيناء بمحاولة فاشلة لاغتيال وزير الداخلية المصري محمد إبراهيم في الخامس من أيلول (سبتمبر) الماضي. لكن الهجوم الأكثر دموية جاء في وقت باكر من صباح 24 كانون الأول (ديسمبر) حين استهدفت سيارة انتحارية مديرية أمن الدقهلية، مخلفة 15 قتيلاً معظمهم من رجال الشرطة. وفي أكثر الهجمات تعقيداً، تبنت «بيت المقدس» إسقاط طائرة مروحية عسكرية في سيناء مخلفة خمسة جنود قتلى في يوم الذكرى الثالثة لانطلاق التظاهرات التي افضت إلى الإطاحة بالرئيس حسني مبارك. ويقول الخبير بارنيت «الهجمات تكشف أن هناك مقاتلين ذوي خبرة عالية لدى التنظيم. بعضهم لديه خبرة قتالية كبيرة». ويقول الباحث اسماعيل الإسكندراني «يمكننا القول إن بعض الجهاديين الذين حاربوا من قبل في أفغانستان والبوسنة ومؤخراً في سورية انضموا لبيت المقدس». ويضيف أن بيت المقدس تحصلت على أسلحة من ليبيا والسودان مستفيدة من حال الانفلات الأمني التي ضربت مصر عقب الإطاحة بمبارك. ويعتقد خبراء أن أنصار بيت المقدس يؤمنون باستخدام القوة والعنف سبيلاً للوصول للحكم. ويقول بارنيت «الإطاحة بمرسي كان مؤشراً رئيسياً لهم إلى أن طريق الحكم يأتي عبر العنف وليس العملية الديموقراطية». وتقول جماعة الإخوان المسلمين إنها نبذت العنف منذ عقود، معلنة التزامها سلمية تظاهراتها منذ الإطاحة بمرسي. وأدى عزل مرسي لاستقطاب حاد في مصر وسط عاصفة من العنف السياسي خلفت أكثر من 1400 قتيل، وفق منظمة العفو الدولية. لكن اللواء سيد شفيق مساعد وزير الداخلية المصري قال لفرانس برس إن السلطات «ألقت القبض على أعضاء في الجماعة اعترفوا أن بيت المقدس تنتمي للإخوان المسلمين»، وأنكر شفيق أن هناك تطوراً في هجمات الجماعة مؤخراً. وقال بارنيت إن «السلطات المصرية منغمسة بشدة في معركتها ضد الإخوان لدرجة أنهم فقدوا على ما يبدو القدرة على رؤية الخطر الحقيقي من حولهم»، مضيفاً «الحقيقة أن هناك خطراً حقيقياً يتمثل في قدرة بيت المقدس على تنفيذ هجماتها».