أحمد (27 سنة) موظف في مصرف يرغب في الترقية عبر الحصول على شهادة جديدة، وما يحول بينه وبين التفرغ للدراسة هو عدم وجود دخل آخر لأسرته غير الذي يؤمنه هو، ما جعله يفكر في الاقتراض من المصرف الذي يمنحه بعض التسهيلات... ل «شراء» شهادة ماجستير توفر له الترقية المرغوبة! لكن أحمد لم يلبث أن صرف النظر عن الفكرة، لأن إثارة قضية الشهادات المزورة أو الوهمية في الإعلام، والحملة التوعوية في شأنها، وتدخل مجلس الشورى برفعه مشروع نظام توثيق ومعادلة الشهادات العليا، الذي يتضمن إنشاء مركز وطني للمعادلة والتوثيق الى مجلس الوزراء، كلها عناصر جعلت مشروع أحمد وكثيرين غيره، بلا جدوى، ودفعت من كان يفكر بالشهادة الوهمية الى البحث عن حل «مشروع» للحصول على الترقية أو حتى إيجاد وظيفة. والواقع انه بمجرد التفاتة جادة، وإن فردية في البداية، الى مشكلة حملة الشهادات الوهمية في السعودية، سقطت ورقة التوت عن عشرات «الأكاديميين» والأعيان ممن بنوا «برستيجهم الاجتماعي» على ورقة وبرواز وحرف، وذلك بعد أن اكتشفت مجموعة من «دكاكين بيع شهادات الماجستير والدكتوراه» وعرف زبائنها. على مدى سنوات، استغل بعض الباحثين عن المجد الشخصي وعدد من متسلقي المراكز العملية والاجتماعية، ثغرة «انعدام الوعي» تجاه مصادر الشهادات وصعوبة الطريق لملاحقة أصولها، معتمدين على دكاكين بيع الشهادات في دول فقيرة، احترفت بيع مختلف أنواع الشهادات وتزويرها. وتعود نشأة هذه الدكاكين إلى الشروط الضعيفة للتراخيص التي تمنحها حكومات تلك الدول لإقامة كيان علمي فيها غير قائم على أي أسس علمية، ما يسهل لها التوسع تحت مظلة النشاط «التجاري». وبعد سنوات عدة من التجارة «المربحة» لدكاكين بيع الشهادات الوهمية في السعودية، وتردد «زبائن» كثر عليها يتمتع بعضهم حتى اليوم بمكانة اجتماعية مرموقة، جاءت حملة «هلكوني» التي أسقطت عن كثيرين «دالاتهم الوهمية» التي تسبق أسماءهم. «برستيج» اجتماعي حملة «هلكوني» أطلقها عضو مجلس الشورى الدكتور موفق الرويلي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بهدف كشف الشهادات المزورة وأصحابها، والتشهير ب «الوهميين»، وتوعية المؤسسات والمجتمع بخطورتهم في التأثير على جودة الإنتاج، إضافة إلى كيفية الكشف عن الشهادات وتمييز الوهمي منها. وأغلقت وزارتا التجارة والداخلية في السعودية أكثر من 200 منشأة تجارية تزاول مهنة تيسير الحصول على شهادات، تحت ستار النشاط التجاري. وجاء ذلك كنتيجة للحملة التي وقفت حاجزاً أمام رغبات بعض الشباب الذين لديهم نية شراء الشهادات، فيما لا يملكون أساساً علمياً صحيحاً، «وكل ما يريدونه الحصول على شهادة أو الماجستير»، يقول الرويلي الذي يلفت إلى أن بعضهم من غير المقبولين في برنامج الابتعاث. ويلخص الرويلي أهداف «زبائن» الشهادات الوهمية بالطمع في الحصول على «برستيج» اجتماعي، أو منصب جيد، مبيناً أن «تواجد هذه الفئة يكثر في مؤسسات التدريب ومجال الأسرة ويملأون المنظمات الخيرية، إضافة إلى وجود ولو ضئيلاً، في الجامعات الحكومية، خصوصاً أن من يعتمد شهادات أعضاء هيئة التدريس هو المجلس العلمي في الجامعة وليس وزارة التعليم العالي». لكن المزورين أو صناع الشهادات الوهمية ليسوا بهذه السذاجة، فهم وفق الرويلي «يدعمون زبائنهم بدراسات ورسائل علمية، ليدفعوا بها الشبهة عنهم، لكن عند مراجعة تلك الرسائل، يتم اكتشاف انها لا تعتمد على أساس علمي ومنهج أكاديمي». ويبدي مطلق حملة «هلكوني» أسفه لأن «مشرعي تلك الدكاكين هم أحياناً من أعضاء هيئة التدريس المعترف بهم في جامعات حكومية، إذ تستخدم الجهة المانحة للشهادة الوهمية اسماءهم كمشرفين على الرسائل العلمية لزبائنهم بموافقة منهم ومقابل مبلغ مادي». من ال «دال» الى الدورات الوهمية واللافت ان من كان ينوي الحصول على الماجستير مثلاً عبر الشراء، واضطر الى التخلي عن مشروعه في ضوء الحملة المذكورة، صار يلجأ الى سوق أخرى «ناشئة» للشهادات، هي سوق الدورات الوهمية التي تمنح شهادات تضاف الى السيرة الذاتية. ومروجو الدورات الوهمية هم أنفسهم أصحاب «الدالات الوهمية» يقدمونها مقابل مبلغ مالي، ومن دون أن يتكلف الراغب عناء حضور الدورة او الحصول على محتواها العلمي. ويؤكد الرويلي في السياق، ان «فئة من الشباب بدأت تلجأ الى الشهادات الوهمية للدورات، بعد أن تصدت الحملة لدكاكين الشهادات وشهرت بزبائنها». ويوضح أن الحملة كشفت عن «وهميين» تتعدى أعمار معظمهم 35 سنة، وأن الدكاكين كانت تلقى رواجاً بين شباب الجيل السابق أكثر من الآن، شارحاً أن «الشباب اليوم لا يملكون المادة لشراء الشهادات العليا على رغم تراجع الأسعار، إضف الى ذلك وفرة حاملي الشهادات الصحيحة وقلة الوظائف، مع وعي المؤسسات والشركات بضرورة التدقيق في شهادات المتقدمين إليها، إذ صارت تطلب معادلتها من وزارة التعليم العالي». ويعتقد الرويلي أن هيئة التحقيق والإدعاء العام بدأت بالبحث في الجامعات الحكومية، ومطالبة أعضاء هيئة التدريس بمعادلة الشهادات والتحقق منها. ويكشف عن العقوبات التي يحتويها النظام المقترح من الشورى «والتي تشبه إلى حد كبير عقوبات التزوير وتطاول كلاً من المالك، البائع، المشتري، وأياً كان له علاقة بها». أنواع الشهادات وحدد نص مشروع نظام توثيق ومعادلة الشهادات العليا المرفوع من مجلس الشورى، أنواعاً عدة من الشهادات غير المعترف بها، والتي تخالف شروط الشهادة الصحيحة. كما حدد شروط هذه الأخيرة ومنها: سلامة الوضع القانوني للمؤسسة التعليمية وسلطتها في منح الدرجة العلمية، ملائمة متطلبات الالتحاق ببرنامج الحصول على الدرجة العلمية، مماثلة متطلبات الحصول على الدرجة في الجهد والساعات الدراسية والمدة الزمنية في مؤسسات الدولة، وجود جهة اعتماد أكاديمي للمؤسسة أو للبرنامج المنتهي بالدرجة، فضلاً عن كون جهة الاعتماد الأكاديمي حقيقية وتعنى بالاعتماد المؤسسي والبرامجي، إلى جانب وجود خطط دراسية معلنة وسياسة تعليمية واضحة، وإجراءات للترقية في مستويات البرنامج وتقويم واضح المعالم، مع الالتزام بنوعية ومستوى تأهيل أعضاء هيئة التدريس، إضافة إلى ظهور الجامعة أو الكلية في قوائم الدولة التي تؤويها. أما «الشهادة المزورة» فهي تلك التي يحملها شخص ما من جامعة أو مؤسسة تعليمية لا تعترف بحصوله عليها أصلاً، والشهادة الوهمية التي اشتهرت «الدكاكين» ببيعها هي الشهادة الممنوحة من جامعة لا تعترف بها دولة المقر، ويضاف إليها «الشهادة الواهنة» وهي الممنوحة من جامعة لا تنطبق عليها المعايير العلمية والتعليمية السارية في السعودية.