«على كيبيك أن تؤمن من الآن وحتى العام 2021 حوالى مليون فرصة عمل شاغرة في قطاع الأيدي العاملة المتخصصة لملء الوظائف التي يخلفها المتقاعدون»، هذا ما أعلنته أخيراً وزارة الهجرة في مقاطعة كيبيك الكندية. ومع هذه الحاجة الملحة لهؤلاء العمال، كشفت جريدة «لودوفوار» المونتريالية، عن وثائق مفادها أن وزارة الهجرة نفسها رفضت 37 في المئة من اصل 19.300 طلب بعد التحقق منها، كما رفضت، ومن دون تعليل، 15 في المئة أخرى نهاية 2013، أي أن نسبة الطلبات المرفوضة بلغت 52 في المئة لفترة عام. حيال هذه الأرقام والنسب «المذهلة»، أكدت جمعية محامي الهجرة في كيبيك، بلسان الناطق باسمها جان سيبستيان بوردو في حديث معه، أن «رفض هذه النسب العالية من طلبات الهجرة، يشكل سابقة غريبة غير مبررة وغير مجدية وغير عادلة». ومن النماذج التي رفضت على أساسها مستندات المرشحين، يذكر بوردو أن بعضها لا يحمل أي إشارة سلبية تعني الرفض، أو يفترض الإجابة بنعم أو لا، دونما أي إيضاحات أو أمثلة. وبعضها الآخر أوقع المرشحين بشرك الأخطاء اللغوية كإهمال النقطة أو الفاصلة أو وقوعها في غير محلها، أو كالترجمة السيئة لبعض الوثائق واختلاف المعنى من المبنى، بخاصة في ترجمة الوثائق العربية التي لا تتماثل حروفها أو معانيها مع اللغة الفرنسية أو اختلاف بعض الأختام العائدة للمصادقة على الوثائق المدرسية أو الولادة أو غيرها. ويعلق بوردو على هذه المشكلات «المفتعلة» بقوله: «كيف يقدم موظفو الهجرة على رفض هذا الكم الهائل من الطلبات لمجرد نقصانها أي معلومة صغيرة أو لأنها غير مطابقة لبعض المعايير المطلوبة من دون أن يبلغ أصحاب العلاقة بتسوية طلباتهم في مدة محددة؟». وتم تجميد بعض الطلبات بذريعة عدم ترجمة علامات المرحلة الثانوية ومصادقتها من المراجع المختصة، مع أن أصحابها يحملون شهادات جامعية مصدقة ومترجمة. ويشير بوردو إلى أن مثل هذه التبريرات مجرد «حماقات» ترمي إلى حرمان كيبيك من شباب مؤهلين علمياً ومهنياً للعمل في مرافقها العامة والخاصة». ويضيف: «لا يجب أن نضع رؤوسنا في الرمال، فنحن بحاجة ماسة الى هذه القوة العاملة الفتية، علماً بأن العديد من الدول الأخرى تتنافس على قبولهم وتفتح أبوابها لاستقبالهم كمهاجرين أو لاجئين». وفي هذا السياق يشير إريك غريتيه رئيس تحرير مجلة «Jobboom»، إلى «صدمة» تعيشها كيبيك، التي تحتاج إلى مليون فرصة عمل جديدة من الآن وحتى عام 2021 بسبب التزايد الهائل في أعداد المتقاعدين. تمييز طبقي اجتماعي - اقتصادي ويعترف الناطق بلسان الهجرة في كيبيك جوناثان لافالي، بأن معايير القبول لملفات المرشحين من الأيدي العاملة المتخصصة كانت «قاسية جداً». ويعترف أيضاً بالتمييز بين أفضلية رجال الأعمال على الأيدي العاملة، سواء لجهة تحديد فترة القبول (60 يوماً للفئة الأولى و90 يوماً للثانية) أو عجز هذه الأخيرة مالياً لانتمائها للطبقات الشعبية والمتوسطة، من الاستعانة بمحامين لمراجعة محاكم الهجرة والنظر بملفاتها المرفوضة. ويؤكد لافالي أن كيبيك ستستقبل عمالاً مهرة بحدود 25 إلى 27 ألفاً خلال العام القادم، وهذا ما يعتبره الخبير الاقتصادي فرانسوا بوجي تراجعاً كبيراً لمصلحة المستثمرين. ويُخشى من تدني اليد العاملة الفنية الآتية من بلدان فرانكوفونية كالشمال الأفريقي وبعض بلدان المشرق العربي واستبدال مجموعات ثقافية أخرى بها، ما يزيد الأعباء المالية على اندماجها في المجتمع والعمل. وهذا ما يلفت إليه ميشال بيكاردو (صاحب مؤسسة صناعية كبرى في مونتريال) حين يقارن بين عامل فني أوكراني وآخر فرانكوفوني لا يحتاج على الأقل إلى أي تأهيل لغوي. ردود فعل متباينة وأبدى تجمع هيئات المجتمع المدني في كيبيك معارضته الشديدة للذهنية البيروقراطية السائدة في دوائر الهجرة، والتي تحرم كيبيك من شباب يشكلون إضافة نوعية ومنتجة. فهم على الأقل يختزنون ثقافة ولغة وتجربة، خلافاً لآلاف الكيبيكيين الذين يتخلون عن الدراسة مبكراً من دون شهادة ابتدائية أو متوسطة، فيما لا يتورع هؤلاء عن اتهام المهاجرين بسرقة وظائفهم. أما الهيئات الاقتصادية، فرأت أن الاستغناء عن استقبال الأيدي العاملة المهاجرة يترك انطباعاً سيئاً للراغبين بالهجرة إلى كيبيك. وطالبت باعتماد إحصاءات اجتماعية ثقافية اقتصادية لحاجات البلاد وعدم اعتبار الهجرة بمثابة «تابو» كما تعتقد شريحة من الكيبيكيين، وتعزيز التعليم المهني، وإدخال مؤسسة الهجرة في صلب المناهج التعليمية والمهنية.