المراوغة القديمة عن الأسماء والأحداث والقضايا لم تعد تقدم لنا إلا المخاوف والشكوك وارتفاع الأرقام الصادمة، وما نتناوله سراً وعيباً في زمن مضى بات يعرض لنا بالصوت والصورة وصيد اللحظة ثم يقول لنا بالضبط: من أي البوابات القريبة يمكن لنا أن نستقبل كارثة اجتماعية؟ وماذا يعني أن نتجاهل الجراح وبيننا من ينثر عليها الملح وينهشها نهشاً؟ وكيف يمكن في غفلة وانشغال بما هو أقل خطراً من أن تتحول مغامرة عاطفية مراهقة لشاب إلى فضيحة مدوية وجرح داخلي رهيب يتركه مكتئباً منطوياً خجولاً حتى من وجهه؟ انشغل سكان أبها في الأسبوع الماضي بحكاية انتقال الأيدز إلى شابين إثر إقامتهما علاقات غير شرعية مع متسولات من جنسية عربية، ويتداول سكان جدة حالياً قصة متداولة عن وجود 50 فتاة يحملن وظيفة «نقل الأيدز»، وما أعرفه أن الجهات ذات العلاقة في منطقة عسير بدأت في تشكيل فرق ميدانية للبحث والاستقصاء والتأكد وإيقاف الرقم المتورط في «أيدز المتسولات» عند حده الحالي «حالتان فقط» وذاك يشير بهدوء إلى أن الحكاية صريحة وتخطط للعبث بشبابنا، لسر لا أجهله، لكني لم أكتب من أجله. بينما في «جدة» صرحت الجهات المعنية هناك بأن المعلومة المتداولة عن انتشار 50 فتاة حاملات «الأيدز» معلومة لا صحة لها وتقع في خريطة الإشاعات التي تفنن بها مجتمعنا حد الريادة، وسأجرؤ على القول بأننا نحسب من أكثر الشعوب العالمية الذائبة والمفتتنة في نشاط «القص واللصق» عبر أي وسيلة تواصل تتوافر بين الأيدي. الهاجس الداخلي يعبث بي ويؤكد أن ضرب الشباب في مقتل وبسرعة فائقة يأتي عبر هذه المساحات الغرائزية المظلمة، ولا أخفي مشاهدتي للمتسولات بأم عيني وهن يمارسن دورهن التسولي الظاهري كما كان يبدو لي حينها، ولكم من قبل وبعد أن تضبطوا اندفاع شاب في مواجهة اللحم الأبيض الذي يشاهده استثناءً على مسرح التسول، ولكم أيضاً أن تعترفوا بأن قلوب شبابنا لا تحتاج إلا إلى غمزة خاطفة وبوح عاجل حتى يكون للمواعيد لذتها وللحظات قيمتها المنتهية بالسواد. الإمساك بمفاتيح الشر أسهل مئات المرات عن حساب عدد الداخلين من الباب، ومن ثم انتشالهم من ورطة الدخول الخطير، وإن كنت أتفق مع أن ترويج الإشاعة محرض أول للقلق والارتباك والخوف، لكني أتمنى أن يخاف الشاب ويظل قلقاً من أي تهور لا يحسبه سوى في خانة اللذة والتجربة على أن يصيده التسول المنظم الجاذب ويدمر حياته من الألف إلى الياء، على رغم تعلم شبابنا شعبياً «أن من قتلته يداه فلا بواكي عليه». إنما يظل شبابنا المتذمر الدائم من الكبت وسط عالم مفتوح غير مستوعب لما وراء نشر امرأة متسولة الأيدز تحت عباءة التسول؟ وقبل نقطة السطر الأخير «لنغلق خانة الإشاعات الاجتماعية فوراً، لكن لنطلق ما يلزم من التحذيرات ونكشف الحقائق المتوافرة، «فنحن - وإن تجاهلنا لوقت - هدف رئيس لمعلومين كُثر». [email protected] alialqassmi@