لا أدري عدد المرات التي استخدم فيها كثير من المسؤولين الغربيين والعرب مصطلح «الشرق الأوسط الجديد» وغالباً ما استغل كتعبير عن جزء من المؤامرة الغربية ضد المنطقة العربية، لكن في الحقيقة يتخلق الآن شرق أوسط جديد بأيدي أبناء المنطقة ذاتها وبإرادتهم، لكن ليس من المعروف اذا كان ذلك سيكون في مصلحتهم ام عكسها، لكن الأكيد ان ذلك سيكون له تداعياته الإقليمية والدولية البعيدة المدى. أول تجليات هذا المشهد الجديد هو تجاوز الحدود الدولية الرسمية ليس من قبل الحكومات ذاتها وإنما من قبل لاعبين غير دوليين، وربما يكون تنظيما «حزب الله» و «داعش» الأشهر هنا، وبينهما الكثير من الشبه في الأيديولوجيا والهيكلية، فهما يقومان على أيديولوجيا طائفية تقوم على حقد الآخر كأساس رئيسي في بناء الموقف منه، وهذا الموقف يذهب في النهاية إلى إبادة الآخر وإلغائه من الوجود. كلا التنظيمين وجدا سهولة كبيرة في تبرير تواجدهما في غير بلد المنشأ، ف «حزب الله» عبرَ الحدود اللبنانية - السورية كي يساهم في قتل السوريين بناء على أيديولوجيا مذهبية طائفية، ووصل أيضاً الى العراق في دعم الميليشيات العراقية التي تشتبه معه في الرؤية المذهبية والطائفية، أما «داعش» فهو الطرف المقابل تماماً ل «حزب الله»، يقوم على رؤية طائفية مغرقة في التطرف، عبرَ بسهولة الحدود السورية من العراق والآن ربما يتمدد الى لبنان متبنياً خطاباً يقوم على تدمير المخالف عبر تكفيره. كلا التنظيمين لم يشعرا بأي احترام لمبدأ الحدود، فالأيديولوجيا الطائفية التي يدافعان عنها عابرة للحدود. كلا التنظيمين يتصفان بمستوى مذهل من الدموية وحس الإبادة من دون أي احترام لفكرة الحق بالوجود والكرامة الانسانية على رغم أن الاسلام وهو المعين الذي ينهل منه كلا التنظيمين قام بالأساس من اجل تكريم بني آدم والنفس البشرية «ولقد كرمنا بني آدم»، ولكن كلا التنظيمين يتبنيان قراءة هي غاية في التعسف والتطرف للمبادئ القرآنية والإسلامية السامية. يرتكب كلا التنظيمين جرائم لم تكن المنطقة لتشهدها من قبل بهذا الحجم من الاتساع والدموية لولا وجودهما وبالتأكيد تغذي وجودهما أنظمة مغرقة في الطائفية والدموية كالنظامين السوري والعراقي، لذلك يصح القول إن هذه التنظيمات هي عملياً التفريخ الطبيعي لأنظمة ما دافعت يوماً عن فكرة القانون او احترام الكرامة الانسانية. يفتح اليوم تنظيما «حزب الله» و «داعش» صفحة جديدة في الشرق الأوسط، لكنها للأسف تقوم على الجريمة والدموية. التحدي هو في كيف ستستطيع المجتمعات العربية الوقوف في وجه صعود هذه التنظيمات والعودة بالشرق الأوسط الى فترته الذهبية في الخمسينات، التي كانت قائمة على الديموقراطية وتداول السلطة واحترام الكرامة الانسانية. هذه هي المرة الاولى التي تدعو فيها شعوب المنطقة الماضي للعودة وترفض الجديد الذي لا يحمل إلا قتلاً وتشريداً. * مدير المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية