أشار الدكتور صالح حسن الزاير إلى خلط الكثير من المهتمين بالفن التشكيلي بين مصطلحي الفن الحديث والفن المعاصر، مبينًا أن مفهوم الفن الحديث عند كثير من مؤرخي الفن يتمثل في الاتجاهات والمدارس الفنية التي ظهرت مع المدرسة الانطباعية أو التأثيرية، بينما يتم تداول مصطلح الفن المعاصر في مجال الفنون التشكيليّة كمقابل أو مرادف لمصطلح ما بعد الحداثة (Post-modernism) والذي يستخدم في كثير من الأحيان في العمارة. جاء ذلك في المحاضرة التي أقامتها الإدارة العامة للنشاطات الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام الأسبوع الماضي تحت عنوان "فن الميديا.. فن أم ترف عصري" مناقشة لأعمال المعرض الأول لفن الميديا المقام بمركز الأمير فيصل بن فهد للفنون التشكيلية بمعهد العاصمة النموذجي بالرياض، وأدارها نائب رئيس جمعية التشكيليين الفنان محمد المنيف؛ حيث أوضح الزاير في سياق حديثه حول تحرير مصطلحي "الفن الحديث" و"الفن المعاصر"، إلى أن الفن الحديث في بدايته قد ظهر في معرض أقيم بباريس في العام 1874م وفيه كان المبدأ الأساسي للحداثة هو حرية الفنان بأن يكون عالمه الخاص، ويوجد جمالا فريدا ينبثق من الأشكال والأجسام التي تنظمها قواعد "الشكل الأمثل Significant Form"، مبينًا أن الحداثة بالغت في هذا المفهوم مما أدى إلى ابتعادها عن المجتمع، وذلك بسبب تضخم الذاتية ومناهضة الطبيعة والتراث والدين والتجرد عن الإنسانية والوصول إلى ما اطلق عليه البعض التشيؤ (التركيز على الشيء) في الإنتاج حتى أصبح شيئًا منفصلاً عن قيمته، ولذلك كان لازمًا الرجوع إلى الأصول والجذور وإعادة اكتشافها مرة أخرى وكان ذلك ما يسمى تجاوز الحداثة (ما بعد الحداثة) والذى كان من أهدافه أن تتطابق الحرية مع الضرورة والروح مع الطبيعة والوعي مع اللاوعي . ماضيًا إلى القول بأنه وبعد العقد السادس من القرن العشرين ظهرت في الغرب مجموعة الاتجاهات والتيارات الفنية والفكرية تمتد حتّى الوقت الحالي تنظوي تحتها كل المدارس والتيارات التي حدثت بعد ما يعرف ب"الفن الحديث"، مستدعيًا ما ورد في كتاب "ما بعد الجداثة وما بعد الصناعة: تحليل نقدي" لمارجريت روز والذي ورد فيه أن "من الأفكار السائدة عن ما بعد الحداثة أنها حركة تتقبّل مفهوم "كله ماشي"، وهذا النقد يرجع للناقد الفرنسي "ليوتار(Lyotard) ”، وقد أوردت أن تحديد تاريخ لبداية هذا الاتجاه اختلف عليه المؤرخون، وقد يكون أول محاولة لتحديد بداية نضوج هذه الاتجاهات حسب مايكل كولر في السبعينات من القرن العشرين. ويمضي الزاير في حديثه بالقول: يرى الحداثيون البعديون أن من الضرورة الانفتاح نحو الماضي والحاضر والمستقبل نحو القومي والعالمي، والتحرر من النظرة الواحدية وتنويع الرؤية بأي اتجاه مما أطلق عليه بالتعددية، كذلك لا بد من الانتقال من عالم النخبة والتفوقية والتعصب إلى عالم ديمقراطية التذوق، وقد يظهر من خلال نشر الإبداع الفني في كل مناحي حياة الناس: في العمارة والبيئة والمدينة، كما أن الموسيقى انتقلت إلى الشوارع والساحات وامتلأت الجدران بالتصوير وتبارى التجار بتزيين واجهات محلاتهم حتى بدت لوحات فنية، وهكذا أصبح الفن موجهًا للناس جميعًا.. ويوافق الرؤية السابقة ما كتبه عبد الله السيّد أن فنون ما بعد الحداثة تنحو "إلى فن العيد الجماعي، حيث يصبح المكان مشغولاً بواسطة الفن، وحيث تنحو كل التجارب الفنية للتكامل، وللاستجابة للإنسان بكليته، وبكل أبعاده، من خلال استثارة حواسه، وتحريض ملكاته للمشاركة بهذا الفن الذي أصبح طقسًا فنيًا جماعيًا" وهذه المشاركة التي يؤكدها فن الميديا من خلال مبدأ التفاعل المباشر مع العمل وفكرة الفنان، ويقول السيد "إن قرناً من الزمان، كان مشغولاً بحلم، ولم تكن التجارب الفنية إلا سعياً حثيثاً نحو هذا الأفق الحلم، الذي يشكل الخيط السري، الذي انتظمت فيه هذه التجارب، حتى صبت في بؤرة واحدة، لوضع أبجدية فن، هو "الفن الكلي"، والذي سيكون- كما يبدو- فن بداية الألفية الثالثة“ وحول بداية ظهور الأساليب الأدائية التشكيليّة المختلفة في الفن المعاصر (ما بعد الحداثة) يقول الزاير: هذه الأساليب الجديدة ظهرت من خلال الفن المفاهيمي Conceptual Art، ما بعد المفاهيمة : Post Conceptualism، الاختصاريّة (المنيمال) Minimalism، الدادائيّة المحدثة Neo Dadaism، الفن الفقير أو المتقشّف (المتصحّر) L art Povera، العرض أو فن الأداء Performance والحدثيّة Happening، فن المُحيط أو البيئة Environment، فن التجهيز في الفراغ (التنصيبيّة) Installation، فن الجسد Body Art، الفن الشعبي أو الجماهيري : Pop Art، فن الفيديو Video Art او فن الميديا Media Art، كما أن بعض اتجاهات ما بعد الحداثة تميل إلى جمع بين كل الفنون والأساليب الأدائية، سواء الفنون السبعة أو عدد منها، وذلك للخروج من حيّز اللوحة، يقول أسعد عرابي مستغرباً : "ابتدأ مع "عصر النهضة".. تم تقسيم ما لا يقبل القسمة من الفنون، وازدادت هذه الفروق تخصصًا... حتى أصبحنا نسمع بمصور مائي وآخر زيتي أو مصمم ميداليات..."، ويؤكّد "لقد آن الأوان أن نقبل ببعث وحدة الفنون في تيارات ما بعد الحداثة" ويحذر عرابي من الوقوع في خطأ "قياس هذه التيارات بمقياس لوحة القرن الماضي. أما توليف الفنون بعد سنوات السبعين (ما بعد الحداثة) فيعتمد لأول مرة على التخلي كلية عن مركزية التصوير وإقامة (ديموقراطية) كاملة بين أصناف التعبير والحواس والتفاعل الكامل بين لغة الصوت والصورة، الشكل والحرف والعبارة والمشهد والجمهور والتعاضد بين المختبرين الصناعي والنقدي" وحول فن الميديا (Media Art) أشار الدكتور صالح إلى أنه انتشر في البناليات الدولية وأصبح له فنانوه وجمهوره والذين هم عادة من الشباب يقدمون من خلاله رؤى فنية معاصرة، بينما يراه البعض في الوسط الفني مجرد تقنيات تعد من الترف العصري. ولقد أقامت وكالة وزارة الثقافة والإعلام معرضًا متخصصًا في هذا الفن ضم أكثر من 70 عملاً متنوعًا ومن خامات متنوعة. ولكن مثل هذا الفن الجديد على الساحة التشكيلية لدينا ربما يطرح تسائلات أكثر من حلول، لم يعتد جمهورنا المحلي أسلوبها ولا طريقة التعامل معها، معرفًا هذا الفن بأنه: "فن الوسائط أو فن الوسائط الجديدة / New Media Art" كما يدل عليها المصطلح هو نوع من أنواع الممارسات في الفنون المعاصرة يشمل الأعمال الفنية التي تم تكوينها باستخدام التقنيات الإعلامية الجديدة، وتشمل: الفن الرقمي، ورسومات الحاسوب، والرسوم المتحركة الكمبيوتر، والفن الافتراضي، والفن في الإنترنت، والفن التفاعلي، والروبوتات الكمبيوتر، وفن التكنولوجيا الحيوية. لافتًا إلى أن هذا المصطلح يتميز عن الطرق التقليدية (الرسم والنحت.. الخ) كونه وسيطًا مباشرًا ومرنًا ينجم من خلال الخبرة الناجمة عن التفاعل مع الإنسان ومعطياته الحياتية، والتي وسمت فنون ما بعد الحداثة عن فنون الحداثة، مبينًا أن فنون الوسائط الجديدة غالبًا ما تنطوي على التفاعل بين الفنان والجمهور أو بين الجمهور والأعمال الفنية، والتي تستجيب لهم.