كاتبة وأكاديمية، هل وظيفة الأكاديمي مجال للإلهام أم أنها عائق للإبداع؟ - أحاول ألا أكون مثالية ولكن العمل الأكاديمي عمل ملهم يجعلك تبدو كما لو أن كل شيء يتمحور حول روعتك وأفكارك، وهو مشاركة لتجارب الآخرين الشخصية والعلمية وإشراكهم في تجربتي هذا يجعلني متقدة ومتيقظة دوماً، فأكون جذابة الفكر ثرية التجربة، والإبداع يشمل كل المجالات، والمجال الأكاديمي أحدها، والكتابة هي من الإبداعات التي جمّل بها الإنسان هذه الحياة، وهي هم لذيذ يغلف روح الكاتب يحمله أينما ذهب، والوظيفة الأكاديمية لا تتعارض أبداً مع الإبداع وليست عائقاً له، فالكتابة وسيلة للتعبير عن الرؤى والأفكار والمشاعر والأحلام والهواجس بطريقة مشبوبة العواطف. نعيش عصر الإيقاعات السريعة، برأيك من المتقدم أكثر في الكتابة الإبداعية القصة القصيرة أم الرواية؟ - الفنون الأدبية كلها تتقدم في المضمار نفسه ومن الظلم أن أقارن بينهما بهذه الطريقة، ولا يمكن أن يحل فن محل الآخر، والقصة القصيرة لا يمكن أن يخبو وهجها أمام الرواية، ولا تنسي أن جائزة نوبل لعام 2013 فازت بها أليس مونرو الكندية عن القصة القصيرة. وفي رأيي أن القصة والرواية كلتاهما متوهجة والإنتاج الأدبي في تزايد وازدهار، ولكن يجب أن يوازي هذا النتاج المتصاعد صحوة في النقد من أجل أن تتوازن الساحة، وغياب النقد هو الذي يؤرقني، أما فنون الأدب من قصة قصيرة ورواية فهي تتقدم ولكل منهما عشاق ومخلصون. دور المبدع كما ترينه هل هو محاولة لتفسير أحداث العالم أو خطوة للمشاركة في تغييره؟ - كلاهما، وهذه تعتمد على خصائص المبدع النفسية والعقلية وبحسب إدراكه للعالم حوله، هناك من يحاول أن يفسر الأحداث ويضفي عليها الجمال، وهناك من يحاول أن يلعب دوراً ويحدث فرقاً في الحياة، والمبدع صاحب رسالة وهو عنصر فاعل داخل منظومة متسارعة وإذا لم يضبط المبدع إيقاعه مع هذا التسارع فسيخبو إنتاجه ويصبح عرضة للعطب. الكتابة لدى زينب، هل هي عملية لإيقاظ الوعي أو استعراض الوعي، أم هي مجرد نوع من التعبير عن التمرد؟ - هي عملية لإيقاظ الوعي وحث الفكر والتعبير عن كل شيء حولي والتغيير أيضاً، قد أعبر عن نفسي، وقد أعبر عن الآخر، ولا أحب كلمة تمرد، ولكني أحتاج لمساحة من الحرية الفكرية لأكتب، قد ننتج أدباً جميلاً ورفيعاً، ولكن من دون حرية فكرية لا نقوى على التغيير. في مجموعتك «رجل لا شرقي ولا غربي» هناك الكثير من الصور التعبيرية كما لو أنها لوحات تشكيلية، هل بداخلك فنانة تشكيلية أو أنه سبق لك ممارسة هذا الفن؟ - بداخلي إنسانة تعشق اللون والجمال واتساكب مع كلماتي كما الماء، فأنا أتوق إلى أن أتحدث إلى الغيمات واستنشق عطر الرياحين البعيدة. ولكن واقعنا العربي معلق بسلسلة من اللحظات المحزنة، موجعة هي حماقات الإحساس بالعجز، وبكتاباتي أحاول أن أضيف نكهة ملونة أخف من حدة السخرية التي تجول في رأسي المجبول على الصداعات العنيدة. هل مفرداتك في هذه المجموعة تنقل أبعاد قصصك من حاله الواقعية إلى حال فنية؟ - لا يوجد أي قصة في مجموعتي «رجل لا شرقي ولا غربي» تشبهني كلها من وحي صور الحياة، وبعضها من خيالي، إذ إنني أحاول استقراء الشخصية واستنطاقها فمثلاً في قصة «تعرية» بطلي فنان يعشق الألوان وهو مهووس بالرسم اقتربت منه كثيراً واستمعت لصوته الداخلي وقهره الذي يرسمه على اللوحات، هو رجل مرهف الحس، ولكنه لا يقيس الزمن إلا بعدد اللوحات، يتحدث مع لوحاته كالمجنون ويدللها كعاشق، يرسمها بكل ضمير وينتظر منها رد الجميل يقول: «في حياة الفنان يتعلق الأمر دائماً بذلك الانتظار الذي ربما يكون بلا جدوى، وفي الفن يأتي اللون والصوت والحسّ معاً، أو يضربون فلا يأتون أبداً. وهو كالسر المفضل، وكالحرف الأبيض الواقف في باب اللغة الملون ينتظر يوماً بعد يوم الموافقة على أن يدخل، وأفكار تجتمع حد القلق، وتساؤلات كقطرات المطر الرتيبة، فما الذي يمنعني أن أحلم بنجاح باهر؟». تكتبين المقالة الصحافية، هل يمنحك هذا الأمر أفكاراً لقصصك أو شخصياتك، أم أنها حال خاصة جداً؟ - الأمر كله يدور حول الإنتاج الفكري ولكن مقام المقالة الصحافية يختلف عن القصة القصيرة، وعرفت المقالة بأنها قالب من النثر الفني يعرض فيه الموضوع عرضاً مسلسلاً مترابطاً يبرز فكرة الكاتب وينقلها إلى القارئ أو السامع نقلاً ممتعاً مؤثراً. أما القصة فهي لون قصصي فني غير مطول وعير مقتضب، تقوم على المعايير الفنية المحددة مثل البنى السردية، والحدث أم الأحداث، وتعدد الشخصيات، والعقدة، والنهاية التي تفصح عن الغاية من وراء كتابتها، فكلاهما فن من فنون الأدب يحتاج إلى خيال وحبكة ولغة وأسلوب، والمقالة ليست موجهة إلى جمهور عشاق الأدب، وجمهور الصحف يختلف قليلاً، إذ إنه ينتظر الحديث عن هموم المواطن وتقديم حلول لها والمشاركة في الأحداث المحلية والعالمية التي تحصل. يقال إن القصة نص عابر للفنون، هل اكتشفت هذا الأمر؟ - القصة فن عالمي الحس متنوع القضايا وطالما وجد الإنسان وجدت القصة، وفي عصر العولمة أصبحت القصة فعلاً نصّاً عابراً للفنون وعابراً للروح.