بينما ننتظر خلال هذا الأسبوع، وربما الذي يليه، نجاح أو فشل «جنيف2»، لنتفكر في من سيقود سورية في «المرحلة الانتقالية» التي ستفضي إلى سورية الجديدة الحرة الديموقراطية غير المقسمة، والتي تعيش سلاماً مع ذاتها وجيرانها؟ هل طلبتُ الكثير؟ إنه الحد الأدنى الذي تطالب به المعارضة، ومعظم الفصائل المقاتلة، وكذلك كل دول المنطقة، فلا أحد يريد سورية تحكمها طائفة تلغي أخرى، أو يحكمها الجيش، ولا سورية مقسمة، حتى «جبهة النصرة» المحسوبة على «القاعدة» قال زعيمها إنهم مجرد فصيل مع آخرين، ولن يفرضوا رأيهم في تحديد مستقبل بلادهم. لا يبقى غير «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، والذي اجتمعت كل الفصائل على رفضه وقتاله، ولكن لم تحسم معركتها معه بعد، فهو لا يعترف حتى بفكرة «الدولة السورية» ناهيك عن أن يقبل بديموقراطية وتعددية. إنه يتحدث عن دولة إسلامية خالصة، ولا بأس بخلافة، وبالتالي سيبقى شوكة في خاصرة الجمهورية السورية القادمة ومرحلتها الانتقالية، بغض النظر عمن يقودها، مثلما هو شوكة متفاوتة في حجمها في خاصرة معظم الدول العربية والإسلامية. إذا ضغط الروس في جنيف ودمشق أيضاً بما يكفي على حليفهم السوري، وتم الاتفاق على تشكيل «هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية وسلطة كاملة على الجيش والشرطة وأجهزة الأمن»، كما توافقوا مع الأميركيين، وكما جاء في مضمون الدعوة إلى «جنيف 2»، فإن ذلك يعني بالضرورة اختفاء بشار الأسد من المشهد، ما يعني انهيار نظامه، وربما فوضى، وثوار يقتحمون المباني الحكومية والقصور الرئاسية والخاصة، وحالات انتقام، واقتتال حتى بين الفصائل، خصوصاً مع وجود «داعش» التي ستعلن دولة إسلامية كلما اقتحم مقاتلوها مخفراً أو بلدية، فيعمد فصيل آخر إلى طردها وقتالها. هنا يأتي تفسير جملة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف «إنّ تمسكَ البعض بفكرة إسقاط النظام السوري لا يبشر بخير»، التي صرّح بها قبيل توجهه إلى جنيف، ففسرها البعض على أنها تعني تمسكاً روسياً ببقاء بشار، وفسّرها آخرون بأنه يقصد النظام لا بشار، مستندين إلى تصريح سابق له عن أن روسيا غير متمسكة بشخص الأسد. نعم... مضطرون في هذا الضباب السياسي إلى استخدام تقنيات الكلمات المتقاطعة لقراءة المشهد السوري. إن روسيا التي أصرّت على «جنيف 1» والذي يقول بتشكيل «هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية»، تعلم أن ذلك يستحيل مع وجود بشار الأسد، ليس في الحكم فقط، بل حتى في سورية نفسها كمواطن - بعد تشكيل الهيئة - إذا ما أريد منها إنهاء الحرب وإحلال السلام، فهو ليس بالزعيم المنتخب ليتقاعد وينصرف لعلاج عيون ضحايا الحرب التي كان سببها. إنه ديكتاتور يعيش بمنطق «أنا النظام والنظام أنا»، وعندما يختفي تنهار المنظومة الأمنية من حوله، وبالتالي سينهار النظام ما لم تكن هناك «هيئة» تمسكه. من السذاجة أن يتوقع أحد أن توافق المعارضة السورية ومن خلفها الشعب والتنظيمات المقاتلة على بقاء الجيش، مع بضعة وعشرين جهازاً أمنياً تحت ذريعة «حماية النظام والدولة السورية من الانهيار»، فلا الجيش جيش وطني محل توافق شعبي مثل الجيش المصري أو التونسي، ولا أجهزة الاستخبارات تقوم بدور يُحمد في حماية الوطن والشعب من تهديدات خارجية، بل كانت أدوات النظام والأقلية الحاكمة في إخضاع الغالبية بالقتل والقهر والترهيب. إنها ترمز إلى حقبة ثار فيها الشعب السوري، فهي مثل أمية بن خلف، وما كان يرمز إليه بالنسبة إلى الصحابي الجليل بلال بن رباح - رأس الكفر أمية... لا نجوت إن نجا - بل إن أركان تلك الأجهزة يعلمون ذلك، فلن يهتموا لأي تطمينات تأتيهم من وليد المعلم وهو يعلن التوصل إلى اتفاق «هيئة الحكم الانتقالية»، ولا حتى من موسكو، وإنما سينظرون تجاه بشار الأسد، فإن قال إنه يرفض ما أعلن في جنيف، وإنه باقٍ معهم ولهم رئيساً شرعياً للبلاد، فحينها سيقلبون المخاطر بين أيديهم، فينهار بعضهم ويبقى آخرون مع زعيمهم يترقبون، أما إن اختفى ولم يسمعوا له حساً ولا خبراً، فلن يتوجهوا إلى المطار في انتظار «هيئة الحكم الانتقالية»، وعفا الله عمّا سلف، وإنما سيصرخون «نفسي... نفسي» وكل يدبر أمره وأمر أسرته، ما بين لاجئ إلى العراق أو لبنان، أو إلى ضيعته وجبله، في انتظار مواجهة أخرى ستكون من أعقد مسائل «هيئة الحكم الانتقالية»، وهي طمأنة الأقلية العلوية، وإعادتها إلى سياق الدولة السورية الواحدة. من يستطيع فعل كل ذلك؟ هل تستطيع «هيئة الحكم الانتقالية» المكونة من المعارضة وبعض من بقايا النظام غير الملطخة أيديهم بالدماء (هل يوجد هؤلاء؟) قيادة المرحلة الانتقالية وحدهم؟ أعتقد أن لا فكاك من دور لقوات حفظ سلام عربية تدخل سورية لدعم الهيئة، وربما تعزز بوحدات تركية يكون لها دور في الشمال السوري. هل يمكن أن يقبل السوريون بوضع بلادهم تحت وصاية الأردن مثلاً لفترة زمنية محددة وبقرار أممي؟ أسئلة كثيرة ناتجة من الحال السورية غير الجلية، والشيء الوحيد المؤكد أن هيئة حكم انتقالية سورية لن تستطيع وحدها القيام بمهمة بناء سورية الجديدة، وحفظ الأمن فيها، ولا بد من قوة خارجية تمد لها يد المساعدة، و «الشقيق» وقت الضيق. * إعلامي وكاتب سعودي