نينا مرادي، هل مرّ عليك اسمها؟ هو لمهندسة معمارية من إيران تم استبعادها من مجلس بلدية قزوين، على رغم فوزها بمقعد في الانتخابات. فلِمَ أبعدت؟ قيل لأنها جميلة جداً، وبالتالي فإن فوزها بأصوات الناخبين لم يكن سوى لشبابها وحسنها. وبما أن وجودها في المجلس مثير للفتن فيجب إلغاء المحرِّض، وهو هنا وجه نينا. ومهما تفلسفت في ضعف الحجة وانتفاء أخلاقية المنع، ستظل وجهة نظر صادرة عن امرأة، كأول ما يخطر في بال القارئ الرجل. ومع هذا سأحاول. يغرِّد الرجل بروح المرأة وعفتها وطيبتها وذكائها، وأن الجمال بلا عقل وأخلاق كما الهباء. وهو كلام مثالي يكرِّره الرجل فلا ينعت بالسطحية، مع أنه من اخترع السطحية في تعامله مع المرأة. وليُسأل فيها الرجل عن احتفائه بالجميلة، وكل الأشعار والأغاني قيلت لها ومن أجلها. غير أنه على مقدار تهليله لشكلها، إنما يخاف من تأثيره فيه، فيفضِّل أن يبتعد عنه، وفي رواية يهرب منه. ولا يتخيل أن هذا الهاجس يتجسّد له في مكان عمله، حيث التركيز وشحذ الفكر والإنجاز. فإذا اقترب منه، فمن المتوقع أن يرفض التشتت القادم إن وجد إلى رفضه سبيلاً. وهذا ما جرى مع نينا، ومَن في مكانها. فماذا عن المرأة مع تفكير مثل هذا؟ كامرأة - ومن توافقني من النساء - سأستعين بمقولة الشاعر دانتي: «الجمال يوقظ روح العمل». فما ذنب المرأة إن حباها الخالق بنعمتَي الجمال والعقل، فأحسنت التنسيق بين الشكل والجوهر، وخرجت بنتيجة مُرضية من شهادات وعلم، بقسط مجزٍ من الجمال؟ أليس هو الرجل من عاب على المرأة جمالها الفارغ؟ فإذا صادف الجميلة التي ملأت وعاء عقلها، أزاحها من طريقه بحجة ملاحتها الطاغية. فأين منطق الرجل في ما يتمناه في المرأة بالضبط؟ فعلى ما يبدو أن الإشكالية ليست مع المرأة، ولكنها في عقل الرجل الذي لم يحسم أمره في شأنها. فكيف تُظلم الحسناء «العربية» كما ظلمت الإيرانية نينا؟ بل إن من الرجال من يعترف ضمناً وفي محيط دائرته بالغبن المجحِف الواقع عليها، ولكنه لا يستطيع مساندتها علناً، ولا الدعم من موقفها لئلا يتهم بأغراض أخرى. فيتنحّى ويتركها لجمالها الذي صار كما الوبال عليها. فماذا عن المرأة الغربية؟ الأمور لديها محكومة أكثر بالقوانين وليس بالأهواء. ومع هذا، ينالها نسبياً ما يلحق بجميلتنا جراء المفهوم الذكوري لكونه إرثاً مشتركاً بين الرجال. إنما لو سألت الجميلة، هل تتخلى عن حسنها لتحظى بالوظيفة؟ لأجابت أن الشقاء مع وجه جميل أرضى في نفسها وخاطرها من التخلي عنه، وهو منطق أنثوي بأية حال. وهناك ظلم يقع على الجميلة أيضاً، ومن نوع آخر! وذلك إذا تصدّرت لملامحها، وليس لموهبتها أو معرفتها، فيختصر لها وجهها المسافات، ويصل بها إلى حيث الصفوف المتقدمة. ولأنها أدرى الناس بأن شكلها وحده من أخذ بيدها، فتظل تعتمد عليه إلى أن يأتي عليها يوم وتهبط فيه من عليائها بالسلاح نفسه الذي مكّنها من الارتقاء. فكما للجمال سقطاته، له أعداؤه أيضاً. فليس من الصعب استغلال الجمال للوصول، ولكن التحدي في استمرارية المحافظة على المكاسب بأساس يفقد قوته، ويتضخم منافسوه مع الوقت. تقول الممثلة الأميركية كاثرين هيبورن: «النساء المتوسطات الجمال يعرفن عن الرجال أكثر من مثيلاتهن من الجميلات. ذلك أن المرأة الجميلة ليست في حاجة إلى أن تعرف أكثر عن الرجل، ولكن الرجل الذي يسعى دائماً لإثراء معرفته بما تحتاجه وتحبه الجميلة». وكأن المرأة التي لا تتمتّع بجمال أخّاذ من النوع المضمون، وفي اليد - كما نقولها - فلا داعي للتعب والجهد لإرضائها. فكم يخطئ الرجل في محدوديته! وعلى العموم كل امرأة جميلة، وهناك رجل، أو أكثر شعر بالملل من صحبتها. وبصرف النظر عن نوع العلاقة إن كانت زمالة، أو صداقة، أو زواج. فالجمال مهما بلغ، قابل للامتعاض وقلب الصفحة. ولكن هذا على المستوى الشخصي، أمّا بالنسبة إلى العمل الجاد والقيام بأعباء والتزامات الوظيفة، فالمعيار هنا يجب أن يكون في الكفاءة وحدها، لا في رسمة العينين ولا طول الرموش. [email protected]