بمناسبة يوم المرأة العالمي الموافق الثامن من شهر آذار (مارس)، هناك قول للروائية الإنكليزية فرجينيا وولف وفيه: «إن تاريخ مقاومة الرجل لتحرير المرأة من قيودها أكثر إمتاعاً وإثارة من قصة التحرير عينها». وتقصد أن السجل الذكوري في الاعتراض على رفع المرأة صوتها إنما يحتل المساحة الأعرض والأبرز مما حققته المرأة عبر جهودها ونضالها ومطالباتها، وهو ما يدعو إلى التساؤل عما يخيف الرجل من حصول المرأة على كامل حقوقها! فما الذي سيخسره الرجل إن اشتركت المرأة في الميادين العامة، وتساوت معه في الحقوق، خصوصاً ما تعلق إطاره بالأحوال الشخصية؟ بالفعل ما الذي يضير الرجل أن تكون المرأة إنساناً لا جسداً.. كائناً بذاتها لا بغيرها؟ فإذا على الأمومة، فهي وظيفة الأنثى الفطرية التي مهما تطورت المرأة بمشاركاتها العملية في الحياة العامة، إلاّ أنها تظل أماً ومربية قبل أية وظيفة أخرى.. فماذا يعني هذا؟ إن ما لا يفهمه الرجل أن المرأة لا تملك التخلي عن فطرتها في إنجاب الأطفال، وعن شعورها بمسؤوليتها تجاههم، وإن صارت الحاكمة بأمرها. إن كان هذا هو هاجس الرجل من خروجها من البيت! ومن الأمومة إلى الزواج كوظيفة أخرى أعدت لها منذ تكوينها الأنثوي. فكل امرأة طبيعية، وتحلم بزوج يناسبها، ويشاركها مشوار الحياة الطويل والمتقلِّب. ولكن هذا الدور بالذات لا يعني إلغاءها كإنسان كامل الأهلية والكفاءة في نواح أخرى من حقها أن تخوضها أيضاً، وتوثِّق بصمتها من خلالها. فالمرأة كيان شامل إن حصرته في زاوية أو اثنتين تكون قد ظلمته كثيراً، وظلمت نفسك معه. يقول قاسم أمين: «تربية النساء أهم من تربية الرجال في الهيئة الاجتماعية، إذ يجب أن يكن عظيمات وفاضلات ليكون الرجال عظماء وفضلاء، وذلك لأن الرجال يكونون كما تربيهم النساء». فإن قيل: «وماذا تردن أكثر مما حصلتن عليه؟»، يكون الجواب في أن المسألة ليست في الزيادة أو النقصان، ولكن الأهم في اقتناع الرجل بما للمرأة وما عليها. فالاستكثار على المرأة حقها الطبيعي في العمل والترقِّي إنما يحمِّلها عبئاً إضافياً لإثبات الذات والقدرات، وكأنها مطالبة دائماً بالدفاع عن نفسها، أو حتى بالاعتذار عن كونها امرأة. وهي نظرة متحاملة وغير متكافئة من الرجل وليس لها ما يبررها، خصوصاً أن عقل الرجل لا يعمل بالجاهزية والنضج المتوقعين كما يبدو على سطح الأحداث. فإذاً هي طبيعة نقص بشرية تسري على المرأة والرجل على السواء، مما لا يخوِّل الرجل الحكم على المرأة بالدونية، أو التقليل من شأنها البتة. من الأدباء والروائيين العرب من كرّس الانطباع السلبي عن المرأة كمثل روايات نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، فالمرأة فيها مجرد كائن إمّا خاضع مستسلم لمصيره مهما ساء وانحط هذا المصير، أو منحل تمرد على العرف والتقليد بأخلاقه المتهاونة، حتى إن انحراف الرجل نفسه صُوِّر وكأن المرأة هي المسؤولة عنه، وهو أدب مُجحف بحقها. فالمرأة ليست بخائنة إلاّ أن يكون الرجل خائناً بطبعه، والإنسان - بصرف النظر عن جنسه - إنما تحكمه أخلاقه ونظرة احترامه لذاته قبل تحديد جنسه. فنظام التجسّس والملاحقة والتشكيك ليس من شأنه تأسيس القاعدة الأخلاقية للمرأة. والسؤال: ألم يرسل الله رسله ورسالاته لقوم كانوا يأكلون ويشربون ويتوالدون؟ وكان من هؤلاء من هو صالح ومن هو طالح حتى قبل الرسالات السماوية؟ إذاً فالأخلاق سابقة للأديان، لأنها تتحدد بالفطرة السليمة. مع هذا كله لا يزال رجلنا العربي على تصميم تام بأن جلوس المرأة في بيتها ضمان لها من الخطأ والخطيئة. فهل راقبها طوال ساعات اليوم ليضمن النتيجة؟ ولا نقول سوى إن النفس الأمارة بالسوء لا تفارق الإنسان داخل البيت أو خارجه، ولكن ما يضبطها ويقيّد وسوساتها الشيطانية هو العقل وارتفاع منسوب الوعي، وتقدير مسؤولية الحرية، وعواقب الأفعال، أمّا الوعاء الأجوف المحروم من غطاء الترشيح والتنقيح لذاته، فعرضة للغث والسمين بلا تمييز، وللأمانة يجب الاعتراف بأن من النساء من تضطهد المرأة كما لا يفعل الرجل. فتمارس المبالغة عليها، إمّا إرضاء للمنطق الذكوري، أو خوفاً من تغلّب الأنثى بداخلها وانطلاقها من عقالها. كاتبة سعودية [email protected]