اتفقت تعليقات صحف نهاية الأسبوع في إسرائيل على أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري سيحتاج فعلاً إلى «عصا سحرية» لجسر الهوة في مواقف الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، خصوصاً في أعقاب إبداء اليمين الإسرائيلي الحاكم مزيداً من التشدد انعكسَ، ضمن أشياء أخرى، في تهكم وزير الدفاع موشيه يعالون من جهود كيري، وفي محاولة جديدة من رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو لتوسيع رقعة الكتل الاستيطانية التي يريد إبقاءها تحت السيادة الإسرائيلية، وفي جهود بعض أقطاب اليمين المتشدد لتشكيل «جبهة وطنية يمينية» ترفع علناً لواء عدم التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. جبهة يمينية لإجهاض الاتفاق وكشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس أن ثمة تنظيماً جديداً تتم إقامته في الأسابيع الأخيرة في الكنيست الإسرائيلية (البرلمان) يحمل اسم «جبهة قومية يمينية» ينضوي تحتها أعضاء حزب المستوطنين «البيت اليهودي» بزعامة الوزير نفتالي بينيت، ونواب المعسكر المتشدد في «ليكود بيتنا» من أجل «منع أي احتمال للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين». ونقلت عن بينيت قوله إن «التعاون بين نواب اليمين من الأحزاب المختلفة ضروري لإجهاض أي اتفاق يقوم على أساس حدود عام 1967»، مستبعداً في الوقت ذاته احتمال التوصل إلى اتفاق، «وإذا تم التوصل إلى اتفاق كهذا، فسيكون ضعيف المضمون، أو بكلمات أبسط مسخرة». واعتبر معلقون بارزون أن تصريحات يعالون ضد وزير الخارجية الأميركي بأنه «خلاصيّ ومهووس»، تعكس موقف الشارع الإسرائيلي بغالبيته، وأن يعالون أطلقها بعد أن أيقن أن غالبية الإسرائيليين لا تؤمن باحتمال التوصل إلى اتفاق. وأضافوا أن يعالون عكس في واقع الأمر موقف «ليكود» الحاكم الذي يخشى زعيمه نتانياهو المجاهرة به تفادياً لإغضاب الولاياتالمتحدة، «لكنه هو أيضاً لا يعوّل كثيراً على نجاح جهد كيري». ورأوا أنه في حال تجرأ نتانياهو على التجاوب مع مشروع كيري، فليس مستبعداً أن يرى أمامه يعالون يقود المعسكر اليميني المتطرف. ولفت مراقبون إلى ان الشروط التي يراكمها نتانياهو في طريق المفاوضات، بدأت بالمطالبة باعتراف الفلسطينيين بإسرائيل دولة يهودية، ثم بالمطالبة بإبقاء الجيش الإسرائيلي في غور الأردن، والآن بإضافة تكتل استيطاني رابع، تكتل «بيت إيل» الذي يقبع في قلب الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى تكتلات «غوش عتصيون» و»معاليه أدوميم» و»آريئل»، والتي تطالب إسرائيل بضمها إلى أراضيها في إطار الاتفاق النهائي. وكشفت وسائل إعلام عبرية ان نتانياهو يرفض مبدأ مبادلة الأراضي مع الفلسطينيين بالمساحة ذاتها أو القيمة نفسها، وأنه اقترح أن تقوم إسرائيل بشراء بعض الأراضي المقامة عليها مستوطنات وتعويض الفلسطينيين بأراضٍ بديلة عن الأراضي الأخرى التي تجثم فوقها سائر المستوطنات. لبيد يدعم جهود كيري من جهته، قال زعيم الحزب الوسطي الشريك الأبرز في الائتلاف الحكومي «يش عتيد» وزير المال يئير لبيد إن الانفصال عن الفلسطينيين «أصبح حاجة قومية»، وأنه يجب عدم الكف عن الجهود للتوصل إلى اتفاق يتيح الانفصال مع ترتيبات أمنية مناسبة. وأضاف خلال مشاركته في إحدى التظاهرات التي نظمها حزبه في مواقع مختلفة دعماً لعملية السلام، أن ثمة فرصة حقيقية للتوصل إلى اتفاق سياسي، «ولن ندع الشارع فقط لمن يعارض عملية السلام، إنما علينا أن نتظاهر لنؤكد لرئيس الحكومة أننا ندعمه في العملية السياسية، وأن حزبنا لن يسمح بتفويت هذه الفرصة». وتابع أنه يتحتم على إسرائيل السعي الى تقليل الأضرار الناجمة عن تصريحات يعالون ضد كيري، و»عليها أن تكون حذرة ومُصغية أكثر في علاقاتها الدولية». ليبرمان يحتج على أوروبا وجاءت أقوال لبيد قبل ساعات من قيام وزير الخارجية افيغدور ليبرمان باستدعاء سفراء بريطانيا وفرنسا وايطاليا واسبانيا في تل أبيب للاحتجاج على ما اعتبره «انحيازاً دائماً» للفلسطينيين على خلفية قيام دولهم ودول أخرى باستدعاء سفراء إسرائيل لديها لتوبيخهم على إطلاق مشروع البناء الأخير في المستوطنات (أكثر من 1800 وحدة سكنية) واعتبار هذه المشاريع عقبة في طريق السلام. وقال إن إسرائيل تقوم بجهود كبيرة من أجل مواصلة الحوار مع الفلسطينيين، «لكن الموقف الذي تتخذه دول أوروبية ليس متوازناً ويتجاهل الواقع على الأرض ويمس بجدية في احتمال التوصل إلى حل». وكان نتانياهو هاجم أيضاً دول اوروبا على «ريائها في قضية المستوطنات»، في أعقاب استدعاء سفراء إسرائيل، وتساءل: «متى تم استدعاء سفراء السلطة الفلسطينية في اوروبا لمحادثات استيضاح عن التحريض على القضاء على إسرائيل؟»، معتبراً ان «انعدام التوازن» هذا لا يخدم السلام إنما يبعده. كذلك هاجم نائب وزير الخارجية زئيف الكين اوروبا على «تلوّنها الشديد»، وقال للإذاعة العامة أمس متحدياً، إن سياسة الحكومة الإسرائيلية تمليها المصلحة الأمنية، وان إسرائيل أوضحت قبل استئناف المفاوضات أنها لن توقف الاستيطان «لأنه لو قبلنا بتجميده لخسرنا الغالبية اليهودية في القدس خلال سنوات قليلة». ورد النائب من «العمل» المعارض نحمان شاي على التهجم على اوروبا بالقول إن الحكومة تبدو كمن أعلن الحرب على العالم، إذ بدأت الأسبوع بهجوم على الولاياتالمتحدة، وأنهته بهجوم مماثل على اوروبا. وأضاف أن «إسرائيل تساهم بنفسها في عزلها دولياً وتضحّي بمستقبلها من أجل البناء في المستوطنات التي ستنسحب من غالبيتها في المستقبل». في غضون ذلك، أفادت صحيفة «معاريف» أمس نقلاً عن أوساط رفيعة في «ليكود بيتنا» قولها إن فكرة نقل حدود الدولة الفلسطينية إلى الغرب من وداي عارة (المثلث) لتشمل هذه المنطقة مع مئات آلاف فلسطينيي عام 1948، تلقى القبول من نتانياهو ورئيسة طاقم المفاوضات، وزيرة القضاء تسيبي ليفني، ومن ممثلي الإدارة الأميركية لمفاوضات السلام. وأشارت إلى أن عدم تعقيب نتانياهو وليفني على تصريح ليبرمان في شأن نقل «المثلث» إلى السيادة الفلسطينية، لم يكن صدفة. وربطت هذه الأوساط بين موافقة نتانياهو على الفكرة وطلبه الجديد ضم «مستوطنات بيت إيل» لإسرائيل في إطار مبادلة أراضٍ يقيم عليها يهود بأراض يقيم عليها مئات آلاف الفلسطينيين، ما من شأنه تحسين الوضع الديموغرافي وضمان غالبية تتعدى 85 في المئة من اليهود في إسرائيل. وبحسب هذه الأوساط أيضاً، فإن الفكرة «أخذت تتغلغل جيداً أيضاً في أذهان الأميركيين الذين لم يطالبوا بوقف التطرق إليها، بل يرون فيها منطقية إلى حد ما».