تذوب كثير من الفوارق بين السعوديين واليمنيين على الشريط الحدودي بين بلديهم، إلى درجة أن بعضهم لا يفكر جدياً في الحصول على هوية وطنية، فهم مكتفون بأنهم أبناء قبائل تلك القرى الحدودية التي تتداخل في ما بينها نسباً وصهراً، وتشترك في تقاليدها وعاداتها من السكنى في منازل القش، حيث لا وجود لما يسترهم من البرد والهواء والحيوانات المفترسة، إلى العيش على الفطرة كأن يحرثوا الأراضي بمعدات بدائية على الثيران والحمير، التي يبيع محصولاتها عادة كبار السن من الجنسين لتغطية نفقات أسرهم، وصولاً إلى السوق الوحيدة التي تؤمن لهم تبادل حاجاتهم في محافظة الحرث فيتسابقون إليها كل خميس. وها هو المواطن يحيى علي محزري (50 عاماً) في قرية الخشل التابعة لمحافظة الحرث يسكن في قرية حدودية بجوار جبل ملحمة، ومجموعة من قبيلته الذين تكيفوا على العيش هناك، إذ انهم تزوجوا من قبائل يمنية والعكس. ويقول: «غالبيتنا سعوديون نعيش هنا وأبناؤنا يعملون في السعودية، ووقت ترسيم الحدود البعض من أفراد القبيلة اتجهوا لمناطق داخل الأراضي السعودية وبنوا لهم مساكن وعاشوا هناك، والبعض الآخر جلسوا في القرية لأنهم تأقلموا على العيش هناك». وعن أسباب سكنهم بتلك القرى، يقول: «نحن قبائل نعيش على الزراعة والرعي، توارثناهما عن أبائنا وأجدادنا، وأذكر عندما كنت صغيراً كنا نسكن في قرية شمال محافظة أحد المسارحة (المهتش)، ووقتها تأخر نزول المطر وجفت الأعلاف ودوابنا هلكت من الجوع، فقام والدي وجدي بالرحيل إلى هذه القرية، حيث وجدنا المراعي والأمطار فاستقررنا هنا لطيب العيش، ولم نفكر بعدها بالرحيل إلى هذا الوقت»، لافتاً إلى معاناتهم من عدم توافر الكهرباء في القرية، «شركة الكهرباء لا تلتفت إلينا ونعيش على أضواء الفوانيس». وعن سبب مجيئه لقرية الخشل السعودية ومدى الصعوبة في التنقل، ذكر أن جميع أهالي هذه القرى يعرفونهم بأنهم سعوديون أباً عن جد، وأنه يأتي إلى الخشل بعد كل فترة لتسلم الضمان الاجتماعي ولشراء مستلزمات معيشتهم وأغراضهم الخاصة، فالخشل أقرب سوق لهم ولا يبعد عن قريتهم سوى بضعة كيلومترات، مضيفاً أن المواطنين السعوديين واليمنيين الذين دخلت ممتلكاتهم في أراضي البلدين لهم الحق في السكن وممارسة أنشطتهم الزراعية والتنقل شريطة التزام الجميع بقوانين البلدين وفق إجراءات تنظيمية محددة، «السلطات حددت أوقاتاً معينة وبتصاريح خاصة بمعرفة شيخ القبيلة للنزول أوقات الأسواق المتعارف عليها سواءً في السعودية أو اليمن لقضاء بعض أعمالهم وزيارة أهاليهم ومن ثم العودة من الطريق نفسه». أما الحاجة منصورة أو «أم صدام» كما يناديها البعض يمنية من سكان جبل النظير، فتقول: «أنا أسكن جبل النظير الذي يبعد من هنا قرابة ال50 كيلومتراً، وأحضر هنا كل أسبوع لبيع الفاكهة الجبلية من موز وفركس، وما أكسبه أشتري به أغراضاً لأبنائي الذين ينتظروني ولا عائل لهم إلا أنا بعد وفاة والدهم»، مشيرة إلى أن الكثير من السعوديين يأتون عندهم للزواج خصوصاً القريبين من الحدود، وللبعض أولاد وبنات يأخذهم للسعودية للعيش معه، وآخرون يطيب لهم العيش هناك فيستقرون.