يعرف القانون بأنه مجموعة من القواعد التي تحكم وتنظم سلوك الأفراد في الجماعة وتوفق بين مصالحهم ويُفرض على من يخالفها جزاء توقعه السلطة العامة، لذلك فإن نجاحات الدول تقاس بقدرتها على تشريع وتطبيق القوانين المسيرة لشؤونها ومدى التزامها بتطبيق تلك القوانين، ومن ثم الإضافة والتعديل عليها بما يلبي حاجاتها المتغيرة عبر مرور الزمن، ودولتنا الرشيدة تسعى من خلال تشريع الكثير من الأنظمة إلى مواكبة متغيرات الحياة مع التزامها الصريح بحاكمية القرآن والسنة، والتي عبرت عنها ضمن النظام الأساسي للحكم الذي يعتبر دستوراً للدولة. ولعل أهم العقبات التي تواجه تعديل التشريع أو التطبيق هي صعوبة الوصول إليه ممن يحتاج إليه، وحديثنا هنا عن السلطة التنفيذية ممثلة في الوزارات والأجهزة الحكومية، فهي المناط بها تطبيق التشريع وهي التي تقترح تعديلها بناء على ما يستجد من ظروف ونوازل ليتواكب مع الزمن، فبممارستنا لمهنة المحاماة اتضح أن هناك بعض الوزارات سنت لوائح تنفيذية وشملت نصوصاً تخالف بها ما صدر من مجلس الوزراء من نظام، ونجد أنه بتغير وزير في وزارة معينة فإنه يقوم بتعديل بعض اللوائح بموجب قرار وزاري يلغي به قراراً وزارياً سابقاً أو لائحة تنفيذية من دون الإشارة في ذلك القرار الوزاري إلى إلغاء اللائحة التنفيذية أو القرار الوزاري السابق، ما يوقع الحرج الكبير في التنفيذ لمن يريد متابعة تلك اللوائح التنفيذية أو القرارات الوزارية من الباحثين أو الدارسين أو حتى المتعاملين مع تلك الأجهزة الحكومية، كما أن عدم إلزام الإدارات الحكومية بعرض ما يصدر عنها من لوائح تنفيذية أو قرارات وزارية على جهة ذات اختصاص تابعة لمجلس الوزراء لتتماشى مع ما قصده المشرع عند سن النظام ولا تخرج عنه، ولكثرة الأنظمة الصادرة من مجلس الوزراء عمدت هيئة الخبراء بمجلس الوزراء لإصدار موسوعة الأنظمة السعودية الإصدار الأول عام 1423ه، شمل حصراً وتوثيقاً وتبويباً للأنظمة، وتبع ذلك الإصدار الثاني عام 1430ه. الإصداران على رغم الجهد الجلي فيهما واشتمالهما على صورة ضوئية من النص الأصلي للنظام وما طرأ عليه من تعديل، فإنهما لا يفيان بما يحتاج إليه القاضي والباحث والمحامي، لاقتصارهما على النظام الصادر من مجلس الوزراء من دون اللوائح التنفيذية المنظمة والشارحة للنظام، لذلك كله فقد عمد عدد من القانونيين إلى عمل موسوعات كلٌ بحسب اجتهاده، لتشمل ما فقد من موسوعة هيئة الخبراء بمجلس الوزراء. إلا أن تلك الجهود واجهت عقبة كبرى تمثلت في صعوبة الوصول إلى تلك الأنظمة واللوائح النظامية والقرارات الوزارية المعدلة لسبب قوي جداً، وهو افتقار كثير من الأجهزة الحكومية إلى قاعدة بيانات قانونية تحصر ما صدر من تلك الأجهزة من أنظمة ولوائح، إضافة إلى أن بعض الأنظمة سبق أن أجازت لوزيرين في وزارتين مختلفتين بالاتفاق بينهما إصدار لائحة تنفيذية للنظام، وما حصل من تطور وزاري لبعض الوزارات بأن فُصل بعضها عن بعض مثل وزارة الحج والأوقاف بأن أصبحت كل وزارة على حدة، ودمج بعض الوزارات مثل دمج وزارة الصناعة بوزارة التجارة، فإن مثل هذا التطوير يستتبع ضرورة تطوير الأنظمة التشريعات ممثلة في اللوائح التنفيذية الصادرة من الوزارات المعنية، والدولة حفظها الله وهي التي سنت منهجاً في نشر الأنظمة واللوائح بل ونشر الأحكام القضائية عملاً بمبدأ الشفافية يتعين عليها تبني مشروع وطني لحصر أنظمة الدولة ولوائحها التنفيذية ونشرها ولعمل موسوعة شاملة لها، وألا تترك ذلك الأمر المهم لاجتهاد الأفراد والمؤسسات الخاصة، ويتماشى ذلك المشروع الوطني مع مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء والمشروع المقترح - إن كتب له الظهور - سيصطدم أيضاً من دون أدنى شك بمعضلة عدم وجود قاعدة بيانات لدى الإدارات والأجهزة الحكومية تشمل ما صدر منها من أنظمة ولوائح وقرارات وزارية، لأن نجاح ذلك المشروع مقترن بمدى تعاون تلك الجهات مع المشروع الوطني، لذلك فإنه من المتعين دعم المشروع عبر إصدار توجيه من ولي الأمر خادم الحرمين الشريفين يلزم فيه جميع الأجهزة الحكومية بإنشاء قاعدة بيانات قانونية في إدارتها القانونية تقوم بحصر جميع ما صدر من أنظمة ولوائح تنفيذية وقرارات وزارية بتلك الأجهزة والإدارات الحكومية، ويلزم الجهات بمراجعة تلك البيانات ومدى ملاءمتها للنظام تشريعاً وتطبيقاً، وعرضها على الجهة صاحبة الاختصاص بحيث يتحقق من مشروع إصدار الموسوعة أمور عدة منها: أ- نشر جميع الأنظمة المعمول بها في المملكة ومراجعة مدى موافقتها للوضع الراهن للبلاد ومعرفة المنسوخ منها والمعمول به. ب- وضع الأجهزة الرقابية أمام مسؤوليتها في مراقبة ما يصدر عن الجهات الحكومية من تشريعات بحيث لا تخالف نص النظام الصادر من مجلس الوزراء. ج- التحقق من تطبيق النظام الذي روعي عند إصداره اعتبارات سيادية وموضوعية معينة وجب عدم إغفالها وتجاهلها والتعذر بعدم العلم بها. د- نشر الأنظمة ليتم تطبيق مبدأ عدم جواز الاعتذار بجهل القانون لتكون هذه الموسوعة حجة على الكافة. ه- حصر أنظمة الوزارات والجهات الحكومية لمعرفة الجهات المتداخلة معها في تطبيق الأنظمة ليتم التنسيق بين تلك الجهات لتطبيق النظام. و- تكون هذه الموسوعة مرجعاً يمكن الرجوع إليه بسهولة لتتواكب مع اتجاه الدولة للحكومة الإلكترونية، وذلك بأن يكون الفرد على علم بحقوقه والتزاماته ومنشأ ذلك الحق أو الالتزام. لذلك كله كلنا أمل بسرعة دراسة إصدار موسوعة نظامية متكاملة تصدر من الجهة صاحبة الاختصاص، لتساعد تلك الموسوعة في إبراز ما وصلت إليه المملكة من تطور في قوانينها مواكبة لحاجات الزمان والمكان، ولتكون نبراساً يساعد الهيئات الرقابية في مراقبة مدى تطبيق هذه الأنظمة والعمل بموجبها وعدم مخالفتها. * محامٍ سعودي. [email protected]