ذراع ممتدة نحو الأسفل والأخرى تتقاطع مع الصدر وتستقر عند القلب. حركة «كُنل» باتت إحدى الحركات التي يتحدى بها بعض الشباب الفرنسي السلطات والإعلام وتنتشر على نحو مدهش بينهم. من ضمن الجمهور الذي يحضر البرامج التلفزيونية التي تبث مباشرة، كان ثمة شاب يظهر خلف استاذة تاريخ تتحدث في برنامج على «كانال بلوس» قبل شهرين. قام الشاب بهذه الحركة 15 مرة كما قيل، من دون أن ينتبه إليه أحد حينذاك، تماماً مثلما حدث في إحدى زيارات وزير الداخلية الفرنسي لبعض المناطق حين أصر شبان على الوقوف بجانبه أمام العدسات وأدوا ضاحكين هذه الحركة من دون أن ينتبه. الحركة التي كانت شتيمة وفعل تحد للنظام، اتخذت فجأة منحى مفاجئاً وبات ينظر إليها كحركة «نازية» موجهة ضد اليهود في شكل خاص، بعدما كانت حتى ايلول (سبتمبر) الماضي، من اختصاص محبي فكاهي فرنسي من أصل كاميروني يقدم عروضاً مسرحية فردية ساخرة ويحيي جمهوره بهذه الطريقة. «ديودونيه» يركز في شكل خاص في هذه العروض على ما يرى أنه تغلغل «لليهود» في كل المجالات في فرنسا لا سيما الإعلامية، ويهاجم بعض الإعلاميين بالاسم، وكل هذا سبّب له الوقوف أمام القضاء الفرنسي 7 مرات (كما يقول معارضوه) و4 فقط (كما يرد محبوه). اليوم يريد وزير الداخلية الفرنسي منعه من تقديم عروضه في فرنسا ويتهمه بالعداء للسامية وبإنكار المحرقة النازية لليهود وبالحض على الكراهية... ما يثير جدالاً إعلامياً حول أحقية القرار الذي يؤيده بعضهم فيما يرى آخرون انه يمسّ حرية التعبير أحد أهم أركان الديموقراطية لدى الفرنسيين لأن القضاء وحده الكفيل بالحكم عند تجاوز «ديودونيه»، وهو كثيراً ما يفعل ويجب أن يدان عليه. يقف اليوم بعض الشباب مع الفكاهي متحدين الحكومة، مستنكرين المغزى الذي تريد إسباغه على حركة الذراع والذي يساهم الإعلام في تعزيزه كما في الدعاية لحركة لم يعرف بها معظم الناس حتى وقت قريب. فحين استخدمت في السابق لم يعرها أحد كل هذا الاهتمام، وكان في وسع برنامج «كانال بلوس» الذي يبث ساعة بعد تسجيله، إجراء اللازم لعدم بث المشاهد لكنه لم يفعل شيئاً واكتفى المقدم بالاعتذار في اليوم التالي! ولكن اليوم وبعد حوالى الشهرين وبعد كل هذا الضجيج الإعلامي بشأن ديودونيه وحركة «كُنل»، وجّه المجلس الأعلى للسمعي البصري الفرنسي انذاراًإلى المحطة لعدم قيامها باللازم في هذا الشأن. إنها القدرة الخارقة للتلفزيون والإعلام على وضع ظاهرة ثانوية في قلب الحدث وإثارتها ليل نهار على نحو جدلي لتأخذ مسارات جديدة بدلاً من التعمق في أسبابها والحديث عما يشكل حقاً مركز اهتمام الفرنسيين وهو الوضع الكارثي للبلد.