سئل أحدهم: أيهما أبعد؟ أستراليا أم القمر؟ فقال ومن دون تردد: أستراليا، فقطّب السائل حاجبيه، وسأله كيف ذلك؟ فرد على الفور: نشاهد القمر بالعين المجردة، لكننا لا نستطيع أن نشاهد أستراليا! واصل ذهولك، فكل ما حولنا يدعو إلى الذهول، ولعل آخر محطاته تلك كانت اللقاء «المتلفز» مع رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ عبداللطيف آل الشيخ. حسناً دعوني أقول لكم كيف اجتمعت هذه العناصر جميعها في لقاء تلفزيوني واحد، فنحن لم نكن ننتظر من رئيس الهيئة أن يخرج علينا ليرينا الجانب الملائكي لجهازه بشعاره المحب للسلام ذي اللونين الأبيض والسماوي، ولا أن يبرر الأخطاء التي ترتكب من وقت لآخر، بل كنّا نتوقع حديثاً يليق بحجم ذلك الجهاز الذي يتعامل مع شرائح المجتمع كافة. بماذا اعترف آل الشيخ؟ هو بكل بساطة أو بزلة لسان اعترف أن الفساد كان موجوداً في جهازه، فهو يقول ما نصه: «منعت منعاً باتاً أخذ ريال واحد من رجال الأعمال»! هكذا إذاً تم منعهم، حسناً.. شكر الله سعيكم، لكن، ولنضع 10 خطوط تحت كلمة لكن في مقابل ماذا كان أولئك «يأخذون الريالات»؟ وأين هم الآن؟ هل تمّ الاحتفاء بتقاعدهم أم بفصلهم أم بتجميدهم؟ لماذا لم يحاسبوا شأنهم شأن أي فاسد؟ أسئلة كثيرة تدور في فلك هذه الجملة تحديداً، ومطالب ستتعالى لمعرفة حقيقة تلك الاتهامات، بينما - وبحسب كلام رئيس الهيئة وإيحاءاته - يتم نسف تلك الأسئلة كافة، فيبدو من حديثه أن أولئك لا يزالون موجودين، إذ أوحى - سواء في لقائه التلفزيوني الأخير أم لقاءاته الصحافية السابقة - أن هناك من يحاربه من داخل المؤسسة، وهنا يحق لنا أن نتساءل: كيف لنا الوثوق بجهاز كانت و ما زالت عناصره تؤكد لنا حرصه على الفضيلة، فيما رئيسه يقول إن هناك فساداً؟ طبعاًً المذيع لم يسأله، بل اكتفى بالقفز إلى السؤال الذي يليه! حسناً فلنذهب إلى الأسئلة التي تليه، فرئيس الهيئة أكد غير مرة في حواره أن من ضمن مهمات جهازه الحفاظ على العادات والتقاليد، وقد تبدو هذه «فضيلة»، لكن فضيلته لم يحدثنا عن تلك العادات والتقاليد بما يفسر لنا ذلك التطور النوعي الذي طرأ على الجهاز، فإذا سلّمنا بسلامة «تلك الشعيرة»، فهنا ينبغي لنا أن نتساءل: هل العادات والتقاليد في المملكة واحدة؟ المؤكد لا، لكن إذا أردنا المضي مع تلك الفضيلة فعلينا إذاً أن نقصر العمل في مكتب هيئة الرياض على أهل الرياض فقط، وجدة على أهل جدة فقط، والشرقية على أهل الشرقية، وهكذا في مناطق المملكة كافة، فلا يمكن أن نتخيل أن لدى مختلف مناطق المملكة عادات وتقاليد ثابتة، إلا إذا أردنا القفز على سؤال آخر، وهنا من غير «المرأة» تستحق أن نتحدث بها مع الهيئة أو عناصرها، فكيف برئيسها؟ طبعاً لا أتحدث عن تلك السيدة التي صادف مرورها تصوير اللقاء مع رئيس الهيئة، وطلب منها أحد العناصر تغيير «خط سيرها» لأن رئيس الهيئة كان موجوداً، بل أتحدث عن المرأة في شكل عام، وغطاء وجهها الذي قال فيه آل الشيخ: «إذا كان خروج الوجه واضحاً وصريحاً عن الآداب العامة، وطالما أنها مسألة خلافية، فيحق أن يجتهد فيها عضو الهيئة الميداني». طبعاً هنا يصعب تفسير ما يقوله، فبينما هو يوافق على أن الغطاء مسألة خلافية، هو في الوقت ذاته لا يجد ما يمنع أعضاء الهيئة من الاجتهاد والضرب بذلك الخلاف عرض الحائط، وهذا ما قاله «بعظمة لسانه»! لقاء رئيس الهيئة وما تضمنه كان يستحق التأمل، ولا يجب أن تدرج تلك التساؤلات تحت باب محاربة الهيئة مثلما ذكر غير مرة في اللقاء، فالأمور واضحة، ومثلما ذكرنا في البداية، القمر وإن بدا قريباً لكنه يبقى أبعد من أستراليا! * كاتب وصحافي سعودي.