سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
العارضي: الهيئة تواجه خصومات فكرية وأدعو إلى حوار بين رجالها والمثقفين تزامنًا مع مؤتمر «الأمر بالمعروف» والمستجدات المعاصرة المقام في الجامعة الإسلامية
مازالت الهيئة -وهي تؤدي دورها الرسمي- محل نقد ومحط سهام مراقبين وكتاب ومثقفين طالب بعضهم بحلها أو دمجها أو تطويرها، وفي ثنايا هذه الدعوات تبرز أسئلة واتهامات من قبيل اختزال مفهوم الاحتساب في بعض المنهيات أو العبادات، أو تدخل الهيئة في بعض القضايا الخلافية مثل كشف الوجه، والخلافات التي تثور بين أطراف الهيئة من جهة ومثقفين وكتاب من جهة أخرى خاصة في معارض الكتاب الثقافية، هذه القضايا وغيرها طرحناها على المشرف على كرسي الأمير نايف لدراسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التابع للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ا.د.غازي العارضي، والذي يأتي بالتزامن مع المؤتمر الأول الذي يعقده "الكرسي" بعنوان: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمستجدات المعاصرة) خلال يومي السبت والأحد القادمين الموافق 24-25 من شهر الله المحرم، فكان معه هذا الحوار.. دكتور غازي هناك كرسي لدراسات "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وهناك المعهد العالي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يختص بالدراسات المتعلقة بالهيئة ودورها، ألا يفرض هذا تعارضًا بين الجهات؟ وما اختصاص كل جهة؟ أولا: لست متحدثا رسميا باسم الهيئة وما أقوله مجرد رأي شخصي فقط قد يصيب وقد يخطئ وبخصوص السؤال.. ليس هناك تعارض بين كرسي الأمير نايف لدراسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التابع للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة والمعهد العالي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التابع لجامعة أم القرى فلكل تخصصه والجهة التي يتبعها. هل هناك تنسيق أو علاقة بين الجهتين؟ ليس ثمة تنسيق منظم بينهما غير أنهما يلتقيان في قاسم مشترك وهو خدمة الهيئة علميًا وعمليًا. لكن بينكم وبين رئاسة هيئة الأمر بالمعروف علاقة وتنسيق. بالطبع، هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي قسيم لنا، وإحدى الجهات التي تم الاتفاق معها على إقامة هذا الكرسي لرفدها بالدراسات والأبحاث وتقديم الدورات. من خلال ما يردكم من دراسات وما تعقدون من جلسات في "الكرسي"، في رأيك ما أبرز الجوانب التي تحتاج فيها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى تطوير أدائها؟ الهيئة جهاز عريق وقديم ولديه تراكمات من الخبرة العلمية والعملية، بيد أن تطور الزمان وتغير الظروف تستدعي أن يتطور الجهاز وفق المعطيات الحديثة؛ لذلك فأبرز ما يحتاجه جهاز الهيئة هو الدورات التدريبية، وأن يكون العضو المنتسب لهذا الجهاز على قدر كبير من الكفاءة والفاعلية العملية وامتلاك المكنة الفقهية والبصيرة النافذة، كما أنه بحاجة إلى الدراسات الجديدة على ضوء ما يواجه الهيئة من مشكلات وغيرها، فالدراسات العلمية والدورات العملية هما الجناحان اللذان تطير بهما العملية الحسبوية، ومن حسن الطالع أن يقود الهيئة رجل من أهل العلم والفضل وهو معالي الشيخ الدكتور: عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ الذي يحرص على تطوير أداء رجل الهيئة بأعلى معايير درجات الجودة. ذكرت التدريب العملي، ما أبرز ما يرفد فيه الكرسي جهاز الهيئة؟ هناك دورات تدريبية لمعرفة الأحكام الشرعية المتصلة بالعمل الميداني، وأخرى دورات علمية صرفة في بيان أحكام وآداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودورات تختص بكيفية المسح الميداني، وكيفية التعامل مع رجل الإعلام، ودورات إدارية فنية متخصصة. اختزال الاحتساب ألا ترى دكتور غازي أن مفهوم الاحتساب تم اختزاله في بعض المنهيات وبعض العبادات على أهيمتها، أين الاحتساب في مجال الاقتصاد والغش التجاري مثلًا، أو مشكلات الناس الحياتية الحقيقة أن الهيئة تقوم بجهد شامل ومتعدد قد لا يعرفه البعض وهناك جهود في غاية الأهمية تتمثل في محاربة السحرة والمشعوذين والمخدرات وأنواع الرذائل والقضاء عليها، وكذلك نجاحها الباهر في القضاء على مشكلة الابتزاز، فقد ظهرت مشكلة الابتزاز في المجتمع أخيرًا، وأصبح الفتى والفتاة يجدان في الهيئة الحل الأمثل بناء على حكمتها وسمتها ووقارها ومسحتها الإسلامية واستطاعت أن تنال ثقة الجميع. هل يمكن أن يكون هناك توسع في مجالات أخرى غير قضية الابتزاز؟ الحسبة في القديم كانت تقوم بأمور كثيرة؛ مثل مهام الرقابة الصحية ومراقبة الأسواق وإصلاح المرور وغيرها من اختصاصات ولاية الحسبة قديمًا، لكن لتطور علم الإدارة في الدولة الحديثة خصوصًا، وتقسيم المهام وفق النظريات المعاصرة بدأت الحسبة تفقد كثيرًا من مهامها بناء على التطور الطبيعي لبناء الدولة، ولذلك بقيت لها جهود كبيرة في إزالة المنكرات الظاهرة، والمخالفات العقدية والسلوكيات المنحرفة، أو قل حماية البنية الاجتماعية للفرد والأسرة والمجتمع. مسألة القضايا التي تنكر فيها الهيئة والتي لا تنكر -خاصة بعض المسائل الخلافية مثل كشف الوجه وغيره- هل ترى أنها واضحة لدى العاملين في الهيئة؟ وهل لديكم دراسات شرعية توضح كيفية التعامل معها؟ قضية المسائل الخلافية التي ورد عدم الإنكار فيها ليست على إطلاقها؛ بمعنى إذا كانت المسألة على مستوى البحث العلمي المجرد خلافية فلا يجوز الإنكار فيها، وتسوغ المذاكرة والمناظرة بين الباحثين وطلاب العلم، لكن المسألة إذا أخذت بعدًا اجتماعيًا وثقافيًا تتصل بعلائق ذات أبعاد شرعية وعرفية واجتماعية فإنها لا تصبح من المسائل الخلافية؛ فمثلًا كشف الوجه صحيح أنها مسألة خلافية لكنها أخذت بعدًا اجتماعيًا وثقافيًا يتصل بقضايا عديدة منها مسألة درء المفسدة وجلب المصلحة، والمحافظة على السمت العام، الذي تواطأ عليه المجتمع، إضافة إلى ما يترتب على ذلك من مفسدة؛ حيث إن السكوت عن ذلك يمكن أن يغري أكثر بالانحراف وعدم ضبط المآل، والهيئة حريصة على الجمع وتحقيق المناط الشرعي للمسائل العلمية، ومراعاة قواعد الشريعة والمحافظة على الضرورات الخمس وتقديم ذلك في قالب من الإرشاد والتوجيه بلطف وحكمة، لكن بهذه النظرة لن تكون هناك مسائل خلافية، وستصبح كل المسائل على رأي واحد. المسائل الخلافية وضع لها العلماء ضوابط دقيقة ومعايير علمية ثابتة ولا يمكن نفيها أو إنكارها لكن يجب التعامل معها بفقه وحصافة وإبداع يبني ولا يهدم ويجمع ولا يفرق. لكن نريد آثار هذه النتيجة العلمية في الواقع آثارها على الواقع هو أن ينظر في المصالح والمفاسد وفق قواعد الشريعة ومصادرها، وليس الوقوف فقط على حدود النص، وإنما ينظر إلى مصادر الشريعة الأخرى مثل الاستحسان والمصالح المرسلة والعرف هذه كلها تعتبر من مصادر الشريعة؛ فإذا كان من منظور العرف أو المصالح المرسلة هناك مفسدة مترتبة على كشف الوجه فلا تصبح المسألة مسألة خلافية. ألا يكون ذلك مدعاة إلى تلبس العادات والتقاليد بلباس ديني؟ العادات والتقاليد منها ما يتفق مع مقاصد الشريعة ومنها ما يختلف معها وليس في نشاط الإنسان مطلقا ما يخرج عن أحكام الشريعة إذا كان هناك متعلق بنص على ذلك فلا تصبح المسألة من التقاليد والعادات المحضة، ومثال على ذلك كشف الوجه الذي ذكرته، فهناك نصوص تنهي عن كشف الوجه ولا نقول إن الهيئة تدافع عن العادات والتقاليد، هي تأمر بما ورد نصًا في الكتاب والسنة لكن اختلف في فهمه؛ فنحن هنا لا ننظر إلى هذا الاختلاف العلمي المحدود وإنما ننظر لبعده الاجتماعي والثقافي والفكري، ولما يترتب عليه من مفاسد وما يفضي من تطور في هذا السبيل. لو تغير الوضع في بيئة من البيئات وأصبح كشف الوجه مثلًا شيئًا طبيعيًا، هل يمكن ألا يكون هناك إنكار في مثل هذه المسائل التي يمكن أن تتغير مع الزمن؟ هذا الافتراض غير عملي وغير علمي فنحن نشاهد المجتمعات التي سبقت إلى السفور تعود الآن إلى الحجاب وبعضنا لا يريد أن يستفيد من التاريخ. لكن دكتور الآن العادات تتغير والطبائع كذلك فما كان عادة بالأمس قد لا يكون كذلك اليوم خاصة مع ما تحدثه أدوات التواصل الجديدة من متغيرات. هذه المسألة لا يمكن أن يكون فيها الحكم فرضيًا، وإنما يبنى على الواقع وعلى الإحصائيات الدقيقة، ولا يمكن أن يطرح رأيًا افتراضيًا في مثل هذه المسائل لأن الحكم الشرعي يدور مع العلة وجودًا وعدمًا؛ فلا نعطي أحكامًا افتراضية مسبقة ثم ننزل عليها حكمًا شرعيًا ونطلقه بهذا الإطلاق، لا بد أن تقاس الأمور بدقة. فمثلًا لو سألتني عن بلاد الأقليات والمجتمعات غير الإسلامية فإن الأحكام تختلف عن غيرها من البلاد الإسلامية من حيث تكييف الحكم وإنزاله والدعوة إليه وتطبيقه. مهام مزدوجة من الانتقادات الموجهة للهيئة هي أنها اهتمت ب"النهي عن المنكر" أكثر من "الأمر بالمعروف" والدعوة إليه وترويج الأخلاق الحسنة في المجتمع، كيف تنظر أنت إلى هذا الانتقاد؟ أقول -وليس من باب الإعجاب أو الانتساب إلى "الكرسي" أو الدفاع عن الهيئة- الحقيقة أن الهيئة لها خصوم يختلفون معها من حيث المبدأ، زد على ذلك ثمة حملات إعلامية مبالغ فيها. والحق أن كل عامل في الميدان مهما كان اختصاصه معرض للخطأ والذين لا يعملون هم الذين لا يخطئون وإنما التثريب على القصد المسبق أو عدم الكفاءة، فلا بد أن ننظر إلى هذا الموضوع نظرة متزنة ودقيقة دون أن نقع في الإفراط أو التفريط. لكن لم تجبني دكتور غازي عن اهتمام الهيئة بالنهي عن المنكر أكثر من الأمر بالمعروف؟ الحقيقة أن الهيئة مهامها مزدوجة؛ لكن الذي لا يفهمه كثير من المتخصصين أن الهيئة مهمتها الوقاية والحماية والرعاية وحماية المجتمع، كما أن مهمتها الأخرى أستاذية وتوجيهية وإرشادية؛ إذًا هي مأمورة أن تأمر بالمعروف إذا ظهر تركه وتنهي عن المنكر إذا ظهر فعله، فهي إذًا تقوم على خطين ومسؤوليتين متوازيتين، ولا بد من التوازن بينهما أو الدمج أحيانا على معايير الحكمة والهدى والرشاد. وهل فعلًا هذا متحقق على أرض الواقع؟ أرى شخصيًا أن الهيئة قامت بهذا الجهد المتوازن، ولأن النهي عن المنكر هو أمر بمعروف، لا يمكن أن تفصل بينهما، فعندما تقول إن هذه الانحرافات الخلقية يجب أن ينهى عنها فمعنى ذلك أنها تنشر الفضيلة وتطهر المجتمع وتنقي البيئة العامة وتقوي البنية الاجتماعية وتهيئ المجتمع للرقي الفكري والثقافي، لأن هذه عوائق أمام النهضة الفكرية والثقافية والحضارية. والحقيقة أن النهي عن المنكر لا يمكن أن نقول إنه ليس أمر بمعروف، لكن حينما نقزم الأشياء ونجزئها هنا تقع الأخطاء؛ والنظرات الجزئية والعجولة التي تقف عادة خلف هذه الاتهامات، وأنا أدعو من خلالكم الهيئة أن يكون لها جهد إعلامي لتوضيح مهامها الجليلة أمام السواد الأعظم، ولذلك حاول كرسي الأمير نايف أن يقيم بعض الدورات في كيفية تعامل رجل الهيئة مع الإعلام، ونتمنى أن نقيم دورة للإعلاميين في فهم عمل الهيئة، وربما نجمع بين الطرفين في المستقبل. الهيئة ومعارض الكتاب هناك مشكلات وخلافات تثار مع كل معرض كتاب بين رجال الهيئة وبعض الكتاب والمؤلفين، كيف يمكن أن يسهم "الكرسي" في حل هذه الإشكالية والتوافق على آلية محددة تضمن حرية التعبير والإبداع الفكري مع عدم المساس بالثوابت الدينية؟ الكرسي ليس جهة تنفيذية ولا قضائية ولا تشريعية، وإنما جهة بحثية مستقلة في جامعة قائمة، ليس لها من السلطات والقدرات ما يتيح لها ذلك، لكنه لو دعي الكرسي إلى تقديم استشارة أو المشاركة في ندوة أو نشاط ثقافي فإنه لن يتردد إطلاقًا. أقصد دكتور رؤيتكم لحل هذا الإشكال السنوي القائم. نتمنى أن تكون هناك حلول عملية تتسم بحسن النوايا المسبقة، وإقامة مائدة من الحوار تمهد لمثل هذه اللقاءات والمناشط والفعاليات، فمثلًا ينبغي أن تكون قبل إقامة المعارض لقاءات وحوارات منظمة بين رجال الهيئة والجمارك والفكر والإعلام والثقافة، ويكون هناك تفاهم واتفاق على الحد الأدنى من القضايا المشتركة؛ فمثلا إذا كانت هناك رواية أو كتاب يهاجم الثوابت أو يتطاول على الذات الإلهية أو الشخصية النبوية الكريمة أو يحرض على المجون والجنس المكشوف اعتقد أن الجميع متفقون مع الهيئة في هذا السبيل؛ لذلك أرى أن تعالج المشكلة قبل أن تقع. يعني تدعو دكتور إلى أن تكون طاولة حوار مسبقة؟ أدعو إلى طاولة حوار مسبقة، ويكون فيها ميثاق علمي لهذه الكتب والمعارض، ويكون لدى الهيئة اطلاع كامل وتنسيق مسبق مع وزارة الإعلام بحيث لا نحتاج إلى مثل هذه الضجة التي تثار كل عام. ألن يكون بذلك جهاز الهيئة رقيب على الإعلام، وكأنة جهة إدارية رقيبة على جهة أخرى؟ صحيح هو ليس رقيبًا على الإعلام، لكن لما أتيحت له الفرصة وأعطي سلطة مراقبة في المعرض، كان من حقه أن يراقب، فلماذا لا يكون هناك حوار وتفاهم وتنظيم مسبق حتى لا نقع في هذا التعارض؟ لماذا تتكرر مثل هذه الحوادث دون أن نضع لها آلية متفق عليها؟ تحقق للكتاب حضوره وأهميته، وتوفر للهيئة القيام بمسؤوليتها. لكن بعض من يقوم بدور الاحتساب في المعارض هم ليسوا من منتسبي الهيئة بشكل رسمي؟ هذا يسمى المحتسب المتطوع وهو ليس من حقه أن يقوم بأي جهد إلا إذا أذن له المحتسب المولى، والهيئة لديها من القدرات والإمكانيات ما يجعلها تقوم بعملها على الوجه المطلوب. كلامك هذا يقودني إلى المحور الأخير؛ كيف يمكن الجمع بين إشاعة ثقافة الاحتساب في المجتمع الإسلامي وبين تقييد حالات إنكار المنكر بالجهاز الرسمي وهو "الهيئة"؟ نستطيع أن نجمع بينهما؛ لأن التغيير باليد يقتضي وجود سلطة ويضمن عدم وقوع انتشار الفتنة، مثل القصاص من القاتل فلا يجوز لأي أحد أن ينفذ حكم القصاص حتى من أهل المقتول، وربما دعا هذا إلى الانتقام والانتقام المقابل. هذا عن الإنكار باليد ماذا عن إنكار اللسان واليد؟ إذا كان في حدود الآداب الإسلامية كما قال تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" فهي محل خلاف بين العلماء؛ فمنهم من قال: هي فرض عين على كل مسلم، ومنهم من قال: هي فرض كفاية، لكن المتفق عليه أن المتطوع لا يتجاوز صلاحيات المحتسب الرسمي، ولا يجوز أن يتقدم عليه، أو يطبق القانون بنفسه، وإنما الجهة المتفرغة التي وجهها ولي الأمر هي المسؤولة مسؤولية مباشرة وهو جهاز الهيئة الذي يعد احدى سمات الحضارة السعودية المعاصرة والمتميزة.