تُطرح سيناريوات كثيرة عن مظاهر التأزم الذي ستشهده الساحة السياسية اللبنانية في الأيام المقبلة بعد اعلان رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف تأليف الحكومة تمام سلام المفترض للتشكيلة الحكومية الجديدة، في ظل الترجيحات والتسريبات بأن قوى 8 آذار ستطلق حركة اعتراضية في الشارع طالما أنها ستكون من الحياديين وغير الحزبيين. وإذ تتصرف المراجع والقيادات المعنية في قوى 8 آذار على أنها تنتظر ما سيصدر في هذا المجال لتحدد موقفها، فإن المعلومات التي لديها ولدى رئيس البرلمان نبيه بري تفيد بأن سليمان وسلام قد يقدمان على إعلان مراسيم تشكيل هذه الحكومة في 7 أو 8 من الشهر الجاري. وينقل زوار الرئيس بري عنه قوله إنه «إذا جاءت هذه الحكومة، كما يقولون، من الحياديين وغير الحزبيين وغير ذلك من التصنيفات، فإن هدفها ونتيجتها العملية ستكون استبعاد «حزب الله» عن الحكومة ولا شيء آخر». ويقول بري أمام زواره: «هل يعقل القبول بذلك؟ لقد وقفنا في حركة «أمل» مع الإمام المغيّب السيد موسى الصدر في عام 1975 ضد عزل حزب الكتائب. فهل يعقل أن نقف مع عزل من يقاوم إسرائيل الآن؟». ويعتبر بري، حسبما ينقل عنه زواره، أن المعنيين بتشكيل الحكومة يفوتون فرصة التوافق عندما يلجأون الى حكومة كهذه «فنحن أوجدنا لهم المخرج مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عبر صيغة 9+9+6، والتي هي الصيغة الأفضل لقوى 14 آذار، لأنها تعطيهم الثلث المعطّل، فضلاً عن أن لديهم مع حصة رئيس الحكومة والوسطيين الأكثرية زائدة واحداً وهم سيحتاجون الى أكثرية الثلثين فقط في شأن مواضيع معينة تتطلب التوافق مع الفريق الآخر، من نوع تعيين قائد للجيش أو التعيينات في الفئة الأولى. وللمناسبة، فإن الشواغر في الفئة الأولى أكثريتها في مناصب تعود الى الشيعة حيث هناك شواغر في الإدارات والتي بمعظمها تتم إدارتها بالتكليف». وحين يسأل الرئيس بري عما إذا كانت حركة «أمل» و «حزب الله» سيطلبان من الوزراء الشيعة المعينين في الحكومة الجديدة الاستقالة وأن إسقاطها سيتم بالشارع، يرد بالسؤال: من قال ذلك؟ وحين يأتيه الجواب بأن الصحف تردد هذا الاحتمال يكرر السؤال: «من الذي قال ذلك من قوى 8 آذار؟ لم يقل أحد ذلك، وعلى كل حال أنا أقول لكم إن مراسيم هذه الحكومة ستصدر كما يقال في 7 أو 8 الجاري ثم ستأخذ وقتاً من أجل أن تضع بيانها الوزاري وتنزل الى البرلمان ضمن مهلة شهر لمناقشته وللتصويت على الثقة في البرلمان. وهي ستسقط ولن تنال الثقة فأنا وكتلة النائب جنبلاط لن نمنحها الثقة». وحين يقاطعه الحضور بأن هناك نية لعدم إيصالها إلى البرلمان، يرد بالقول: «أنا أتكلّم دستورياً بصرف النظر عن المواقف السياسية، وبعد أن تسقط، في أوائل شهر شباط (فبراير) سنعود الى تكليف شخصية أخرى ويطلب اليها تصريف الأعمال. ماذا نكون فعلنا في هذه الحال في وقت يكون بقي لديها شهر و10 أيام قبل أن يدخل البرلمان في 25 آذار (مارس) في مرحلة الانتخابات الرئاسية؟ ماذا تستطيع أن تفعل حكومة كهذه في شهر و10 أيام في نهاية عهد رئاسي؟». ويقول زوار بري إنه يعتبر أن «الأسوأ في حكومة كهذه أنها ستزيد شقة الخلاف. أنا كنت آمل بأن نتوصل الى توافق على الحكومة الجديدة وفق الصيغة التي طرحناها، وأن تقوم أجواء تسهّل التوافق على الاستحقاق الرئاسي». ويردد بري ما سبق أن أعلنه من أنه يعتقد بأن قيام حكومة من دون توافق «سيشكل عائقاً يؤدي إلى تعقيد الوضع في شأن الاستحقاق الرئاسي في شكل يحول دون حصول توافق على الرئيس الجديد وعلى انتخابه، ولو أن هناك أجواء توافق لكان سهلاً علينا أن نؤمن نصاب الثلثين في جلسة انتخاب الرئيس ولينتخب من له الحظ الأوفر. لكني أخشى من أن تشكيل الحكومة من دون توافق ما سيؤثر سلباً على الاستحقاق الرئاسي، هذا على رغم أني كنت قلت قبل أكثر من شهرين إن علينا أن نفصل بين مسار تشكيل الحكومة وبين الاستحقاق الرئاسي. لكن الآن، إذا تشكلت الحكومة وفق الصيغة التي يتحدثون عنها، فإن هذا سينشئ حالة تؤثر على هذا الاستحقاق». ويكرر بري القول إن «المشكلة ستكون أن هذه الحكومة التي يتحدثون عنها بعد أن تحجب عنها الثقة، وفي الوقت الذي ستجري استشارات لتسمية رئيس مكلف يعود فيجري اتصالات لتأليف حكومة بديلة، فإن الحكومة التي حجبت عنها الثقة لن تكون صالحة لتولي صلاحيات رئاسة الجمهورية في حال لم يتم انتخاب الرئيس الجديد، فالدستور واضح في هذا المجال، لأنه ينص على «عدم ممارستها صلاحياتها قبل نيلها الثقة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال». وهذا مأزق إضافي، ففور صدور مراسيمها تصبح الحكومة الحالية المستقيلة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي غير موجودة. ما هو المخرج؟ ليست لدى الرئيس بري، وفق ما يقول لزواره، أفكار محددة و»ليقلّعوا شوكهم بأيديهم». ويرفض أي اجتهاد يقول إن الحكومة التي تكون الثقة حُجبت عنها تستطيع تولي سلطات الرئاسة الأولى إذا شغر المنصب في 25 أيار (مايو) المقبل، وليس هناك إلا تفسير واحد للنص الواضح، وأنا لا أستطيع إعطاء أكثر من تفسير للنص». إلا أن زوار بري ينقلون عنه تأكيده أن ما يعتبره استبعاداً ل «حزب الله» عن الحكومة هو نتيجة للتباعد الإيراني- السعودي، وأنه أكد على الدوام الحاجة الى حوار بين طهران والرياض ويروي كيف أن زيارته الأولى قبل نحو شهر هدفت الى الدعوة الملحة لهذا، ولقي استعداداً إيجابياً لدى القيادة الإيرانية من رأس الهرم، أي من المرشد السيد علي خامنئي وصولاً الى وزير الخارجية محمد جواد ظريف وأنه عاد من زيارته هذه متفائلاً. ويقول زوار بري: «هو كان ينتظر أن يحصل هذا الحوار ويكرر نفيه أنه كان ينوي زيارة السعودية لهذا الغرض لأني أعرف حجمي فهذا الحوار أكبر منا نحن ويتناول العراق واليمن والبحرين وسورية ولبنان». لكن يبدو أن الجانب السعودي لم يبد تجاوباً لأسباب تتعلق بقلقه من الاتفاق الإيراني الغربي حول ملف إيران النووي. وحين قيل له إن الجانب السعودي يسأل: «كيف تريد طهران تحسين العلاقة معنا ورجلها في لبنان (الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله) يتهمنا بتفجير سفارتها؟»، قال بري لزواره: «إيران اتهمت إسرائيل ولم تتهم السعودية. فهل حين يتحاور المرء مع النبع يتوقف عند موقف السيد نصرالله؟ فهو يهاجم السعودية لأنها تهاجمه لتدخل الحزب في سورية. وما يجري بينهما يأتي في هذا السياق. الحوار مع طهران له بعد آخر أكثر أهمية، خصوصاً أن قيادتها مستعدة للتجاوب، والسفير الإيراني في بيروت غضنفر ركن أبادي عاد فأكد الحرص على أفضل العلاقات مع السعودية...».