يتساءل كثرٌ من الفرقاء السياسيين ماذا يمكن رئيسي الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف تأليف الحكومة تمام سلام القيام به، بعد عطلة عيد الأضحى المبارك وقبل عيد الاستقلال في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، للخروج من المأزق الحكومي، وذلك استناداً إلى ما قاله سلام الأسبوع الماضي عن أنه يأمل في أن نتمكن من التكلم بوضوح بعد عيد الأضحى. ومع أن سلام كان واضحاً أن قوله هذا لا يعني أنه يربط أي خطوة يمكن أن يقدم عليها بموعد محدد، فإن مصادر سياسية ورسمية تتفق على الاستنتاج بأن درجة التأزم التي بلغتها عملية تأليف الحكومة وضعت الرئيس المكلف أمام مأزق وبين خيارين: صعوبة تأليف الحكومة والاستنزاف الذي يصيبه نتيجة الاستمرار في الانتظار لعل العقد أمام تشكيل الحكومة العتيدة يتم تذليلها، أو الاعتذار عن التأليف ما يعني وضع فريقه الذي رشحه إضافة إلى فرقاء آخرين أمام مشكلة اختيار رئيس الحكومة البديل، ما يعيد الأمور إلى المربع الأول. وتضيف المصادر نفسها، أن الخيار الثالث الذي يقول بتشكيل حكومة باتفاق بين الرئيسين، تتسبب بأزمة نتيجة رفض فريق أساسي في البلاد إياها، هو فريق 8 آذار الذي سيعتبرها حكومة أمر واقع، حتى لو جرى تمثيله فيها، لكن وفق مقاييس تتعارض مع إصراره على أن يسمي هو وزراءه ويحصل على الحقائب التي يريد أو إذا لم تأخذ بمطلبه الحصول على الثلث المعطل فيها. ويرى بعض المعنيين بهذا الخيار أنه إذا كانت حكومة من 3 ثمانات لا تلقى القبول من قوى 8 آذار ستؤدي إلى مشكلة من نوع انسحاب قوى 8 آذار منها، ورفض تسليم الوزارات، فإن التغلب على هكذا صعوبات في هذه الحال بات متعذراً طالما أن رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط أعلن سقوط هذا الخيار بحيث يصعب حصول هكذا حكومة على الأكثرية النيابية التي يمكن أن تبرر اللجوء إليها. ويرى مصدر سياسي بارز من الشخصيات التي تعتقد بوجوب قيام حكومة مهما كلف الأمر، لأنها أفضل من الفراغ الحالي الحاصل، أنه طالما طرح جنبلاط صيغة 9-9-6، وأكد «حزب الله» موافقته عليها، وأن رئيس البرلمان نبيه بري كان وراء هذا الاقتراح كما قال جنبلاط، فإن الخيار المتاح والأفضل أمام الرئيسين سليمان وسلام في هذه الحال هو أن يتفقا على إصدار مراسيم الحكومة الجديدة في أقصى سرعة بهذه الصيغة، حتى لو كانت أطراف رئيسة في قوى 14 آذار مثل «القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل» ترفضها من باب ثباتها على عدم حصول 8 آذار على الثلث المعطل. ويرى أصحاب هذا الرأي أنه في حال أصدر الرئيسان مراسيم حكومة تتمثل فيها كل من قوى 8 آذار و14 آذار بتسعة وزراء وتخصص حصة ستة وزراء للوسطيين (لكل من سليمان وجنبلاط وزيران ووزير لسلام إضافة إليه)، فإن لجوءهما إلى أمر واقع على هذا الأساس يكون أرضى 8 آذار بحصولها على الثلث المعطل، لكنهما يكونان قد اختارا توزيع الحقائب مع المداورة فيها من دون الأخذ بموقف الرافضين هذه المداورة، لا سيما تكتل العماد ميشال عون، مع اختلاف أساسي هو أن جنبلاط سيقف مع كتلته النيابية إلى جانب هذا الخيار الذي بادر هو إلى تأييده. وفي اعتقاد أصحاب هذا الرأي أن صيغة كهذه، فضلاً عن أنها تنتشل البلاد من حال الفراغ الحكومي وتعيد الانتظام إلى عمل المؤسسات، ستكون نصف أمر واقع. و «حزب الله» وبري لن يستطيعا رفضها بالكامل إذا رفضها العماد عون، وقوى 14 آذار لن تتمكن من رفضها بالكامل لأنها تكون حصلت على مطلبها بالمداورة في الحقائب. ويكون الفريقان المتخاصمان قد خضعا للمساواة في الخسائر الجزئية، وحصل كل منهما على جزء مما يريد، 8 آذار على الثلث المعطل و14 آذار على المداورة وعلى إنهاء الفراغ الحكومي الذي تتهم خصومها بأنهم يسعون إلى إبقائه لأسباب إقليمية. وتعتبر المصادر المحايدة نفسها أنه لا بد لسليمان وسلام من أن يقدما على ما يمكن تسميته «المغامرة الوطنية المحسوبة» التي تحرج الفريقين نتيجة تلبية جزء من مطالبهما وهواجسهما المفترضة والتي قد تخلط الأوراق في داخل كل منهما أيضاً. وإذا حال اعتراض من يعترض دون نيل الحكومة الثقة فإنها تتحول إلى حكومة تصريف أعمال، لكن مع فارق أنها تضم كل الفرقاء المتخاصمين، لتتولى هي سلطات رئاسة الجمهورية في ظل التقديرات بأن الاستحقاق الرئاسي سيواجه صعوبة انتخاب رئيس جديد. وفي رأي الداعين إلى هذا الخيار أنه يسمح بتحريك الجمود الحاصل وبالتداول في تنظيم الخلاف بين اللبنانيين، طالما أن قناعة الرئيس سليمان ومعه سلام وجنبلاط أنه لا يمكن الإبقاء على الوضع اللبناني معلقاً في انتظار اتضاح مسار الوضع الإقليمي والأزمة السورية والحوار الإيراني مع الإدارة الأميركية ودول الغرب، لأن المؤشرات تدل إلى أن مساعي الوصول إلى حلول سياسية للأزمة السورية ستمتد إلى ما بعد الربيع المقبل، في وقت تلح الاستحقاقات اللبنانية على اللبنانيين أن يجدوا مخارج لها قبل الربيع المقبل، وعليهم أن يمهدوا لها منذ الآن. وفي مقابل دعوة هذه المصادر المحايدة إلى «فرض» صيغة 9-9-6، وفق توزيع للحقائب على أساس المداورة ومن دون الغوص في بازار حول الأسماء والوزارات لكل فريق، ليتولى سليمان وسلام أخذ حريتهما في الاختيار، فالخيار الباقي وفق المصادر هو أن تتولى حكومة تصريف الأعمال برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي الإشراف على المرحلة المقبلة وتولي سلطات الرئاسة. وإذا كان بعض الفرقاء يتحدث عن تفضيل «حزب الله» وحلفائه هذا الخيار لأنه يبقى للحزب حرية الحركة في ظل حكومة تصريف الأعمال الحالية، فإن ميقاتي نفسه يلح على إخراجه من حال تصريف الأعمال لاعتقاده بأن غياب آفاق الحلول السياسية مع الصعوبات التي يرتبها الفراغ الحكومي على معالجة مشكلة النازحين السوريين إلى لبنان والانعكاسات المتصاعدة لأزمتهم على الوضع الاقتصادي، لا يؤدي سوى إلى استنزافه هو الآخر. وتقول مصادر رسمية إن الرئيس سليمان نفسه يرفض هذا الخيار لاعتقاده، خلافاً لما قاله جنبلاط عن أن حكومة ميقاتي ميثاقية أكثر من أي حكومة أمر واقع أخرى يرفضها «حزب الله» وبري. ويعتبر سليمان كما نقل عنه زواره في اليومين الماضيين أن خيار بقاء حكومة تصريف الأعمال لتسلم مهمات الرئاسة خيار غير دستوري، «فهذه الحكومة مستقيلة حتى لو كانت حصلت على ثقة البرلمان قبل استقالتها». وشرعيتها انتهت بمجرد صدور مرسوم قبول استقالتها وتكليفها تصريف الأعمال وحصول الاستشارات وتكليف رئيس جديد للحكومة. بل إن سليمان يرى وفق الزوار أن القول بشرعية الحكومة المستقيلة يزيد من تعقيد الأمور بدلاً من أن يسمح بحلحلتها. وأوضح الزوار أن سليمان لم يناقش مع النائب جنبلاط رأيه هذا، لكنه لا يرى أن هذا الخيار يحل المشكلة.